للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأخفَش (١): إنّما يقال هذا في الشرِّ، وأمّا في الخير فلا يقال: جعلناهم أحاديثَ وأُحدوثةً، وإنّما يقال: صار فلانٌ حديثًا. وقوله: {فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (٤٤) أي: يُصدِّقون، ونَصْب {فَبُعْدًا}: على المصدر، وقد تقدم نظيره (٢).

قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً}؛ أي: دِلالةً على قُدرتنا، وكان حقُّه أن يقول: آيتَيْن، واختلف النُّحاة في ذلك، فقال بعضُهم: معناه: وجعَلْنا كلَّ واحدٍ منهما آيةً، كما قال تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا} (٣)؛ أي: آتتْ كُلُّ واحدةٍ منهما أُكُلَها، وقال تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ} (٤) ولم يقُلْ: أَرْجاسٌ، وقال بعضُهم: معناه: جعَلْنا شأنَهما واحدًا؛ لأنّ عيسى -عَلَيْهِ السَّلَام- وُلِدَ من غير أَبٍ، وأمُّهُ وَلَدَتْهُ من غير مَسِيسِ ذَكَرٍ، وقيل: إنه لم يُثَنِّ {آيَةً} لأنها مصدر، وقيل: إن الآيةَ لهما واحدةٌ، وقيل: معناه: جعلناه آيةً وأُمَّهُ آيةً، فاكتفى بأحدهما، وقيل: هو على التقديم؛ أي: جعلناهُ آيةً وأُمَّه، وقد تقدَّم نظيرُها في سورة الأنبياء (٥).

قوله: {وَآوَيْنَاهُمَا}؛ أي: جعلناهما يَأْويانِ: يَرجِعان {إِلَى رَبْوَةٍ} وهي


= حديث وأحاديث، وعَرُوض وأَعارِيض، وقَطِيعٍ وأَقاطِيع؛ لأن هذا لو كَسَّرْتَهُ، إِذْ كانت عِدّةُ حروفه أربعةَ أحرفٍ بالزيادة التي فيها، لكانت فعائِلَ". الكتاب ٣/ ٦١٦، وقال الجوهري: "قال الفراء: نُرَى أن واحد الأحاديث أحدوثة، ثم جعلوه جمعًا للحديث". الصحاح ١/ ٢٧٨، وقال الأزهري: "قلتُ: واحد الأحاديث أحدوثة". "التهذيب": "حدث" ٤/ ٤٠٥.
(١) ينظر قوله في الكشف والبيان ٧/ ٤٧، تفسير القرطبي ١٢/ ١٢٥، البحر المحيط ٦/ ٣٧٦، الدر المصون ٥/ ١٨٩.
(٢) يشير إلى قوله تعالى: {فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}. المؤمنون ٤١، وانظر ما سبق ١/ ٢٨٥.
(٣) الكهف ٥٠.
(٤) المائدة ٩٠.
(٥) ينظر ما سبق في الآية ٩١ من سورة الأنبياء ١/ ٢٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>