للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: ما يفعَلُ بكم رَبِّي؟ قال أبو عُبيد (١): يقال: ما عَبَأْتُ به شيئًا: أي لم أَعُدَّهُ، فوجودُه وعدمُه سواءٌ، مجازه: أيُّ مقدارٍ لكم؟

وأصل هذه الكلمة تَهْيِئةُ الشيءِ، يقال: عَبَأْتُ الجيشَ وعَبَأْتُ الطِّيبَ أَعْبَؤُهُ عَبْئًا وعُبُوًّا: إذا هَيَّأْتَهُ وعَمِلْتَهُ، قال الشاعر:

٦٢ - كَأَنَّ بِنَحْرِهِ وبِمَنْكِبَيْهِ... عَبِيرًا باتَ تَعبَؤُهُ عَرُوسُ (٢)

وقوله: {لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} يعني: إياه فِي الشدائد، ومعنى الآية: قل ما يعبَأْ بخَلْقِكُم رَبِّي لولا عبادتُكم وطاعتُكم وتوحيدُكم إياه، يعنِي: أنه خَلَقكم لعبادتكَم، نظيرُها قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (٣)، وفي الآية دليلٌ على أنّ من لا يعبد اللَّه ولا يوحِّده ولا يطيعه لا وزنَ له عند اللَّه (٤).

وقوله: {فَقَدْ كَذَّبْتُمْ} يعني: أهلَ مكة؛ أي: أنّ اللَّه دعاكم بالرسول إلى توحيده وعبادته، فكذَّبتم الرسول، ولم تُجِيبُوا دعوتَه {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} تهديدٌ لهم، قال الزَّجّاجُ (٥): تأويلُه: فسوف يكون تكذيبكم لزامًا


(١) ينظر قوله في الكشف والبيان ٧/ ١٥٣، الوسيط للواحدي ٣/ ٣٤٩.
(٢) البيت من الوافر، لأبي زبيد الطائي يصف أسدًا، ويُرْوَى:
كأَنَّ بِصَدْرِهِ وبجانِبَيْهِ
اللغة: العبير: نوع من الطيب ذو لون، عَبَأْتُ الطَّيبَ عَبْئًا: إذا صَنَعْتَهُ وَهَيَّأْتَهُ وخَلَطْتَهُ.
التخريج: ديوانه ص ٩٩، جمهرة اللغة ص ١٠٢٥، جامع البيان ١٩/ ٧٠، معاني القرآن للنَّحاس ٥/ ٥٦، الصحاح ١/ ٦١، مقاييس اللغة ٤/ ٢١٦، تاريخ دمشق ١٢/ ٣٢٤، عين المعاني ورقة ٩٣/ ب، اللسان: عبأ، نسس، التاج: عبأ، عرس، نسس.
(٣) الذاريات ٥٦.
(٤) قاله الواحدي في الوسيط ٣/ ٣٤٩.
(٥) معاني القرآن وإعرابه ٤/ ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>