للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان في موضع الحال احتاج إلى صاحب الحال وإلى عاملٍ في الحال، وليس معك عامِلٌ إلّا مُتَأَوَّلًا، وذلك التأويل: أنّ أقلامًا -وإن كانت أسماءً جامدةً- فإنها وقعت هاهنا موقع كاتبات أو جاريات، وإذا وقعت موقع كاتبات أو جاريات فقد تَحَمَّلَتِ الضميرَ، وصار فيها معنى الاشتقاق، فعَمِلَتْ في موضع الجملة الحالية النصبَ، فأما من نصب البحر فلا إشكال فيه؛ لأن الواو عاطفة للبحر على {وما في الأَرْضِ}.

قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} فِي قوله وفعله، {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ} الذي ليس عنده نفعٌ ولا ضُرّ، {وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ} العالي على كل شيء بقدرته {الْكَبِيرُ (٣٠)} الذي يَصْغُرُ كُلُّ شيء سواه، والباطل رفع على خبر ابتداء محذوف، تقديره: هو الباطل، نظيرها في سورة الحج (١).

قوله تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ} يعني: الكفار {مَوْجٌ كَالظُّلَلِ} قيل: كالجبال، وقيل: كالسحاب التي تُظِلُّ ما تحتها، والظُّلَلُ: جمع ظُلّةٍ، شُبِّهَ المَوْجُ بها فِي كثرتها وارتفاعها، كقول النابغة الجعدي (٢):

١٢١ - يُماشِيهِنَّ أَخْضَرُ ذُو ظِلالٍ... عَلَيَّ، كأَنَّهُ فِلَقُ الدِّهانِ (٣)


(١) الآية ٦٢، ولم يتناولها المؤلف بالشرح هناك.
(٢) هو: قيس بن عبد اللَّه بن عُدَسِ بن ربيعة الجَعْدِيُّ، أبو ليلى، شاعر مفلق، وصحابِيٌّ من المعمرين، اشتهر في الجاهلية، وكان ممن هجر الأوثان، ونهى عن الخمر قبل الإسلام، شهد صفين مع عَلِيٍّ رضي اللَّه عنه، وسكن الكوفة، وتوفِّي بأصبهان سنة (٥٠ هـ)، وقد كُفَّ بَصَرُهُ، وجاوز المائة. [الشعر والشعراء ص ٢٩٥، الإصابة ٦/ ٣٠٨، الأعلام ٥/ ٢٠٧].
(٣) البيت من الوافر، للنابغة للجعدي يصف بَحْرًا، ورواية ديوانه:
يُعارضُهُنَّ أَخْضَرُ ذُو ظِلَالٍ... عَلَى حافاتِهِ فِلَقُ الدِّنانِ
اللغة: الأَخضر ذو الظلال: البحر؛ لأن لأمواجه ما يشبه الظلال، الفِلَقُ: جمع فِلْقةٍ وهي الشق. =

<<  <  ج: ص:  >  >>