للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ}؛ أي: يرمي ويأتِي بالوحي، يُنَزِّلُهُ من السماء، فيقذفه إلى خير الأنبياء، والقَذْفُ: الرَّمْيُ بالسهمِ والحَصَى والكلامِ، وقوله: {عَلَّامُ الْغُيُوبِ (٤٨)} يعني: عالِمُ كُلِّ غَيْبٍ، وإذا قال: عالِمُ الغيب فهو غَيْبُ أمْرِ واحدٍ، وهو رفع خبر {إِنَّ}، ويجوز: "عَلَّامَ الْغُيُوبِ" بالنَّصب، قاله الخليل (١)، فمن رفعه فعلى وجهين، أحدهما: أنه خبر ابتداءٍ محذوفٍ، تقديره: هو علّام، والآخر: أنه خبرٌ ثانٍ لقوله: {إِنَّ رَبِّي}، ومن نصبه فعلى وجهين، أحدهما: على المدح، تقديره: أعني علام الغيوب، والآخر: أنه نعت لقوله: {إِنَّ رَبِّي}.

قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى} يا محمَّدُ {إِذْ فَزِعُوا} يعني: عند البعث يوم القيامة، {فَلَا فَوْتَ}؛ أي: فلَمْ يَفُوتُوا، يريد: لا يَفُوتُنِي منهم أحدٌ، ولا يَنْجُو مِنِّي ظالِمٌ {وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (٥١) أي: من تحت أقدامهم، وقيل: لَمْ يبعدوا مِنْ قَهْرِ اللَّهِ، وقيل: يعني: من القبور، وحيت كانوا فَهُمْ من اللَّه قريبٌ، لا يبعدون عنه ولا يفوتونه، وقيل: أراد يوم بدر، وجواب "لَوْ" محذوف؛ أي: لرأيتَ ما رأيتَ.

قوله تعالى: {وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ} يعنون بمحمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم- وبما جاء به من القرآن حين عاينوا العذاب، ثم قال: {وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ} يعني: التوبة، يقول: ومن أينَ لهم تناول التوبة ونَيْلُ ما يتمنون {مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (٥٢)} يعني: عند معاينة العذاب من مكانٍ بعيدٍ، والتَّناوش: التناول وهو "تَفاعُلٌ" من النَّوْشِ الذي هو التَّناوُلُ، يقال: ناشَ يَنُوشُ: إذا تناول، و"التَّناوُشُ" رفعٌ بالابتداء، وخبره "أنّى لَهُم" مقدَّمٌ عليه.


(١) الجمل المنسوب للخليل ص ١٢٨، وقد قرأ بالنصب عيسى بنُ عمر وابنُ أبِي إسحاق وزيدُ بنُ عَلِيٍّ وابنُ أبِي عبلة وأبو حيوة وطلحةُ. ينظر: مختصر ابن خالويه ص ١٢٣، تفسير القرطبي ١٤/ ٣١٣، البحر المحيط ٧/ ٢٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>