للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: {لَا يَسَّمَّعُونَ} (١) يعني الشياطين {إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى} وهم الملائكة، أي: لِكَيْ لا يَسمعوا إلى الكَتَبةِ من الملائكة مما يكون في الأرض، والمعنى: لِئَلَّا يَسْمَعُوا، فلما حذف "أنْ" رُفِعَ (٢)، وقرأ حَمْزةُ والكسائيُّ وحَفْصٌ: "يَسَّمَّعُونَ" بالتشديد، وأصله: يتسمعون، فأدغمت التاء فِي السين (٣).

قوله: {وَيُقْذَفُونَ} يعني الشياطين؛ أي: يُرْمَوْنَ {مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (٨)} من آفاق السماء {دُحُورًا} يبعدونهم عن مَجْالِسِ الملائكة، يقال: دَحَرَهُ دَحْرًا ودُحُورًا: إذا طرده وأبْعَدَهُ، ودُحُورٌ كشُهُورٍ (٤)، والمعنى: يُدْحَرُونَ دُحُورًا عن


(١) هذه القراءة قرأ بها ابنُ عباس، وأبو بكر عن عاصمٍ، وابنُ كثير ونافعٌ وابنُ عامر وأبو عمرو والأعمشُ ومجاهدٌ وأبو جعفرٍ ويعقوبُ، ينظر: السبعة ص ٥٤٧، تفسير القرطبي ١٥/ ٦٥، البحر المحيط ٧/ ٣٣٨، الإتحاف ٢/ ٤٠٨.
(٢) هذا القول حكاه النحاس عن أبِي حاتم، وشَبَّهَهُ أبو حاتم بقول الشاعر:
ألا أيُّهَذا الَّلائِمِي أحْضُرُ الوَغَى... وَأنْ أشْهَدَ اللَّذّاتِ هَلْ أنْتَ مُخْلِدِي؟
معانِي القرآن للنحاس ٦/ ١٠ - ١١. وقد أنكره كثير من العلماء، قال الزمخشري: "فإن قلتَ: هل يصح قولُ مَنْ زَعَمَ أن أصله: لِئَلّا يَسَّمَّعُوا، فحُذِفَ اللامُ كما حُذِفَ في قولك: جئتك أن تكرمني، فبقي: ألّا يَسَّمَّعُوا، فحذفت "أنْ"، وأُهْدِرَ عملُها كما في قول القائل: ألا أيُّهَذا الزّاجِرِي أحْضُرُ الوَغَى؟
قلتُ: كل واحد من هذين الحذفين غير مردود على انفراده، فأما اجتماعهما فمنكر من المنكرات، على أنّ صَوْنَ القرآن عن مثل هذا التعسف واجبٌ". الكشاف ٣/ ٣٣٦، وينظر أيضًا: الفريد ٤/ ١٢٦، البحر المحيط ٧/ ٣٣٨، مغني اللبيب ص ٥٠٢، الدر المصون ٥/ ٤٩٦.
(٣) ينظر: كتاب سيبويه ٤/ ٤٦٣، غريب القرآن لابن قتيبة ص ٣٦٩.
(٤) يعني أنه مصدر على وزن "فُعُول"، لا أنه جَمْعٌ، بدليل قوله بعده: "والمعنى: يُدْحَرُونَ دُحُورًا. . . وهو منصوب على المصدر".
ويجوز أن يكون "دُحُورًا" منصوبًا على الحال؛ أي: مدحورين أو ذَوِي دُحُورٍ، ينظر: التبيان للعكبري ص ١٠٨٨، عين المعانِي ١١١/ ب، الفريد للهمدانِي ٤/ ١٢٦، ١٢٧، الدر المصون ٥/ ٤٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>