للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: {أَهُمْ أَشَدُّ} ابتداءٌ وخبرٌ، و {خَلْقًا} نصبٌ على التفسير، و {أَمْ مَنْ خَلَقْنَا} (١) رفعٌ على {أَهُمْ أَشَدُّ}، وهذا استفهامٌ معناه التقرير (٢).

ثم وَصَفَ خَلْقَهم وأخْبَرَ، فقال: {إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ (١١) أي: شديدٍ، وهو الطين الصُّلْبُ الَّلازِقُ المُتَلَزِّجُ المتماسك الذي يلزم بعضه بعضًا، ومنه: ضَرْبةُ لازِمٍ ولازِبٍ؛ أي: أمْرٌ يَلْزَمُ (٣)، ولازمٌ ولازبٌ ولازقٌ ولاصقٌ ولاتبٌ: بمعنًى واحدٍ، والعرب تجعل الباء ميمًا لقُرب مخرجهما (٤).

قوله تعالى: {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (١٧)} "أو" بمعنى الواو (٥)، والألِف ألِف استفهامٍ دخلت على حرف العطف، كقوله تعالى: {أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى} (٦)، قال اللَّه تعالى: {قُلْ} لهم يا محمد: {نَعَمْ} تُبْعَثُونَ {وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (١٨) أي: صاغرون، والدُّخُورُ: أشَدُّ الصَّغارِ.


(١) فِي الأصل: "أمن خلقنا".
(٢) ومعناه: أهم أشد خلقًا أم أهل مكة؟
(٣) من أول قوله: "الطين الصلب اللازق"، قاله أبو بكر السجستاني فِي تفسير غريب القرآن ص ١٣٠.
(٤) قال الفراء: "اللازب: اللاصق، وقيس تقول: طين لاتب. . . والعرب تقول: ليس هذا بضربة لازب ولازم، يبدلون الباء ميما لتقارب المخرج". معانِي القرآن ٢/ ٣٨٤، وينظر: إصلاح المنطق ص ٢٨٨، غريب القرآن لابن قتيبة ص ٣٦٩، تهذيب اللغة ١٣/ ٢١٤.
(٥) ليست هذه "أوْ" كما زعم المؤلف، وإنما هي همزة الاستفهام دخلت على الواو العاطفة، اللهم إلا إذا كان يقصد قراءةَ مَنْ قرأ: "أوْ آباؤُنا" بإسكان الواو، وهم أهل الشام والمدينة، ينظر: السبعة في القراءات ص ٢٨٦ - ٢٨٧، حجة القراءات ص ٦٠٨، الإتحاف ٢/ ٤١٠. وفي الجمل المنسوب للخليل ص ٢٨٩ قال: "والواو التي تتحول "أوْ" مثل قول اللَّه تعالى: {أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (١٧)} [الصافات: ١٦ - ١٧]، معناه: وَآباؤُنا، ومثله: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: ٢٤] معناه: ولا تطع منهم آثمًا ولا كفورًا.
(٦) الأعراف ٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>