للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الشَّعْبِيُّ (١): "سمعت زِيادًا يقول: فصل الخطاب الذي أُعْطِيَ داودُ عليه السّلام: "أمّا بَعْدُ"، قيل: وهو أول من قالها.

وإنما قيل لها: فصل الخطاب لأن الكلام يُسْتَفْتَحُ بحمد اللَّه، ثم يقال: أما بَعْدُ، فالأمر كذا وكذا، فقد فَصَلَتْ بين ذِكْرِ اللَّهِ وبين الأمر الذي قَصَدْتَ، هكذا في الكتب يقال: مِنْ فلانٍ إلى فلانٍ، سلامٌ عليك، أمّا بَعْدُ، فكذا وكذا، ومنه قول القائل: فلانٌ ليس له أصْلٌ ولا فَصْلٌ، فالأصل: النسب المعروف، والفصل: اللسان الذي يفصل بين الحق والباطل.

قوله: {وَهَلْ أَتَاكَ} يا محمد {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (٢١)} يقال: تَسَوَّرْتُ الحائطَ والسُّورَ: إذا عَلَوْتَهُ، وإنما قال: {تَسَوَّرُوا}، والخَصْمُ هاهنا اثنان، لأنه على مذهب من يجعل الاثنين جماعةً، فجمع الفعل لأن الاسم يصلح للواحدِ والاثنينِ والجمعِ والمذكرِ والمؤنثِ، لأن معنى الجمع ضَمُّ الشيءِ إلى الشيء، فالاثنان فما فوقهما جماعة، كقوله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} (٢)، وقيل (٣): الخَصْمُ مَصْدَرٌ، أي: ذَوُو الخَصْمِ، فلا يُثَنَّى ولا يُجْمَعُ، قال الشاعر:


(١) ينظر قوله في: معانِي القرآن وإعرابه ٤/ ٣٢٥، الزاهر لابن الأنباري ٢/ ٣٥١، الكشف والبيان ٨/ ١٨٥، المحرر الوجيز ٤/ ٤٩٧، البحر المحيط ٧/ ٣٧٤.
(٢) التحريم ٤، قال سيبويه: "وسألت الخليل، رحمه اللَّه، عن: ما أحْسَنَ وُجُوهَهُما، فقال: لأن الاثنين جميع، وهذا بِمَنْزِلةِ قول الاثنين: نحن فعلنا ذاك، ولكنهم أرادوا أن يفرقوا بين ما يكون منفردًا، وبين ما يكون شيئًا من شيء، وقد جعلوا المفردين أيضًا جميعًا، قال اللَّه، جل ثناؤه: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (٢١) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} [ص: ٢١ - ٢٢]. الكتاب ٢/ ٤٨، وقال مثله في الكتاب ٣/ ٦٢٢.
(٣) قاله الزجاج والنحاس، ينظر: معانِي القرآن وإعرابه ٤/ ٣٢٥، معانِي القرآن للنحاس ٦/ ٩٤، إعراب القرآن ٣/ ٤٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>