للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم نادى منادى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى حمراء الأسد (١)، فشدّت عليها ثيابها، فما استطاعت من نزف الدم، قالت: ولقد مكثنا ليلتنا نكمد الجراح حتى أصبحنا.

وروى محمّد بن عمر عن عبد الجبار بن عمارة عن عمارة بن غزية، قال: قالت أم عمارة: لقد رأيتني وانكشف الناس عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فما بقي إلا في نفير ما يتمون عشرة [٣٢/ب] وأنا وابناي وزوجي، بين يديه نذب عنه، الناس يمرون به منهزمين، ورآني ولا ترس معي، فرأى رجلا موليا معه ترس (٢)، فقال لصاحب الترس: «ألق ترسك إلى من يقاتل»؟. فألقى ترسه، فأخذته فجعلت أتترّس به عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وإنما فعل بنا الأفاعيل أصحاب الخيل، لو كانوا رجالة مثلنا أصبناهم إن شاء الله، فيقبل رجل على فرس فضربني، وترّست له، ولم يصنع سيفه شيئا، وولى، وأضرب عرقوب فرسه فوقع على ظهره.

فجعل النّبي صلّى الله عليه وسلّم يصيح: «يا ابن أمّ عمارة!، أمّك أمّك». قالت: فعاونني عليه حتى أوردته (٣) شعوب (٤).

وعن عبد الله بن زيد، قال: جرحت يوم أحد، جرحا في عضدي اليسرى، ضربني رجل كأنه الدقل (٥)، ولم يصرخ عليّ، ومضى عني، وجعل لا يرقأ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

«اعصب جرحك». فتقبل أمي ومعها عصابة في حقويها (٦)، وقد أعدتها للجراح، فربطت جرحي، والنّبي صلّى الله عليه وسلّم واقف ينظر إليّ ثم قالت: انهض بنيّ فضارب القوم، فجعل النّبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ومن يطيق ما تطيقين يا أمّ عمارة». قال: وأقبل الرجل الذي ضربني، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا ضارب ابنك». فاعترضت له فضربت ساقه فبرك، فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تبسم حتى رأيت نواجذه، وقال: «استقدتّ (٧) يا أمّ عمارة»؟. ثم أقبلنا نعلّه بالسلاح


(١) حمراء الأسد: موضع على ثمانية أميال من المدينة، معجم البلدان (ج ٢ ص ٣٤٦).
(٢) كتب بجانب نص المتن: (وجمعه ترسة، وتراس، وأتراس، وتروس. قال يعقوب: ولا تقل أترسة، ورجل تارس: ذو ترس، ورجل تراس: صاحب ترس، والتّترّس: التستر بالترس، وكذلك التتريس، والمترس: خشبة توضع خلف الباب) ومثله في: الصحاح (ج ٣ ص ٩١٠)، وتاج العروس (ج ٤ ص ١١٤)، مادة: ترس.
(٣) أوردته: أي هلكته. النهاية لابن الأثير (ج ٥ ص ١٧٣) بتصرف.
(٤) شعوب: من أسماء المنية. النهاية لابن الأثير (ج ٢ ص ٤٧٨).
(٥) كتب بجانب نص المتن: (الدقل: سهم السفينة) ومثله في: تاج العروس (ج ٧ ص ٣٢٣)، وفي: طبقات ابن سعد (ج ٤ ص ٤١٤)، (الرقل).
(٦) إزارها، المعجم الوسيط‍ (ص ١٦٤٦).
(٧) أي استوى الأمر، تاج العروس، مادة: قدد.

<<  <  ج: ص:  >  >>