الفصل الأول: عصره وبيئته عاش الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي من بداية القرن السابع الهجري حتى بداية القرن الثامن الهجري، وامتد عمره فوق التسعين عاما (٦١٣ - ٧٠٥ هـ) وكانت نشأته حينئذ بالديار المصرية.
وشهد القرن السابع تحولات جذرية في الحياة السياسية، فكانت الدولة الإسلامية آنذاك تحت سلطان خلفاء بني العباس في بغداد، ولكنها سلطة ضعيفة اقتصرت على الاسم بمظهرها الديني، فبلاد المشرق كانت دويلات كثيرة انشغل عدد من حكامها بالحروب والمنازعات والتوسع، كل على حساب الآخر، في حين كانت بلاد الجزيرة ومصر ومعظم بلاد الشام تحت سلطان خلفاء صلاح الدين الأيوبي، وانقسمت الدولة بعد وفاة الملك العادل أخي صلاح الدين سنة ٦١٥ هـ، بين أولاده فانشغلوا كذلك بالحروب والمنازعات فيما بينهم.
وعاصر الحافظ الدمياطي كذلك عددا من سلاطين المماليك الذين حكموا مصر على وجه الخصوص؛ وحكموا الشام والحجاز أيضا (١)، وآخر من عاصرهم الدمياطي السلطان الناصر محمد بن قلاوون (٦٩٨ - ٧٠٨ هـ).
ولم يدرك هؤلاء الخلفاء والسلاطين والأمراء الخطر الداهم والقادم عليهم من الخارج والمتمثل في الغزو المغولي للبلاد الإسلامية وبلاد العراق وما جاورها، في حين كان الغزو والتهديد الصليبي لبلاد الشام ومصر مازال قائما.
ولم تكن الأحوال الخارجية هي المؤثر الوحيد في أوضاع الدولة الإسلامية بل كان النزاع المذهبي والخلاف الديني على أشده بين الفرق الإسلامية التي كانت تتطاحن فيما بينها داخل حواضر الإسلام، وجر ذلك على البلاد الخراب والدمار وأوقع بها كثيرا من الويلات والمصائب.
(١) البدر الزركشي مؤرخا، لمحمد كمال عز الدين (ص ١٥ - ١٦).