للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشهد من تحب، وكان ممن استشهد عمر بن الخطاب، فقال: لا أشهد، هذا يدين ولا مال له، إنما المال لأبيه، فقال الجهني: والله ما كان سعد ليخني بإبنه في سقة من تمر، وأرى وجها حسنا وفعالا شريفا، فأخذ قيس الجزر، فنحرها في مواطن ثلاثة، كل يوم جزورا، فلما كان اليوم الرابع نهاه أميره، وقال: تريد أن تخرب ذمتك ولا مال لك، فقال قيس: يا أبا عبيدة آتي أبا ثابت وهو يقضي ديون الناس، ويحمل الكل، ويطعم في المجاعة، لا يقضي عني سقة من تمر، لقوم مجاهدين في سبيل الله، وبلغ سعدا ما أصاب القوم من المجاعة، فقال: إن يكن قيس كما أعرف فسوف ينحر لهم.

فلما قدم قيس لقيه سعد فقال: ما صنعت في مجاعة القوم حيث أصابتهم؟، قال:

نحرت، قال: أصبت، ثم ماذا؟، قال: ثم نحرت، قال: أصبت، ثم ماذا؟، قال: ثم نحرت، قال أصبت، ثم ماذا؟، قال: نهيت، قال: ومن نهاك؟، قال: أميري أبو عبيدة بن الجراح، قال: ولم؟، قال زعم أنه لا مال لي، وإنما المال لك، فقلت أبي يقضي عن الأباعد، ويحمل الكل، ويطعم في المجاعة، أفلا يصنع هذا بي؟، قال: فلك أربع حوائط‍، قال: وكتب له بذلك كتابا، وأتى بالكتاب إلى أبي عبيدة بن الجراح، فشهد فيه، أدنى حائط‍ منها يجد خمسين وسقا، وقدم البدوي مع قيس فأوفاه سقته وحمله وكساه، فقال:

الأعرابي لسعد: يا أبا ثابت، والله ما مثل إبنك ضيعت ولا تركت بغير مال، فابنك سيد من سادة قومه نهاني الأمير أن أبيعه، وقال لا مال له، فلما انتسب إليك عرفته (فت … ) (١) عليه لما عرف أنك تسمو إلى معالي الأخلاق وجسيمها فإنك غير مذمر (٢) لا معرفة لديك، قال: فأعطى سعد يومئذ تلك الحوائط‍ الأربع، وبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فعل قيس، فقال: «إنّه في بيت جود» (٣).

وروى ابن سعد (٤): عن أبي أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كان قيس بن سعد بن عبادة، مع علي بن أبي طالب، في مقدمته ومعه خمسة آلاف، قد حلقوا


(١) ما بين () القوسين كلمة مطموسة.
(٢) كتب بجانب نص المتن ما يلي: (تذمر: إذا عابت نفسه على فوات الذمار، والذمار: حفظ‍ ما يلزم)، وهكذا في: تاج العروس (ج ٣ ص ٢٢٩)، مادة: ذمر.
(٣) انظر: مغازي الواقدي (ص ٧٧٤ - ٧٧٧)، وعيون الأثر (ج ٢ ص ١٧٣ - ١٧٥)، والحديث في كنز العمال (ج ١٣ ص ٥٤٠).
(٤) الرواية ليست في ترجمته عند ابن سعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>