للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو أقاد-أو كلمة تشبهها-إلى النار، وأنت تحجزني، فانطلق بهم إلى أبي بكر، فقال:

أنت أحق بهم، فقال أبو بكر: هم لك، فانطلق بهم إلى أهله، فصفوا خلفه يصلون، فلما انصرف، قال: لمن تصلون؟، قالوا لله تبارك وتعالى، قال: فانطلقوا فأنتم له.

وروى ابن سعد أيضا، عن محمّد بن عمر: حدثني عيسى بن النعمان عن معاذ بن رفاعة عن جابر بن عبد الله، قال: كان معاذ بن جبل رحمه الله من أحسن الناس وجها وأحسنه خلقا وأسمحه كفا، فأدان دينا كثيرا، فلزمه غرماؤه، حتى تغيب عنهم أياما في بيته، حتى استأدى (١) غرماؤه رسول الله، صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله خذ لنا حقنا منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رحم الله من تصدّق عليه»، قال: فتصدق عليه ناس، وأبى آخرون، فقالوا: يا رسول الله: خذ لنا حقنا منه؟، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اصبر لهم يا معاذ»، قال: فخلعه رسول الله صلى الله عليه وسلم من ماله، فدفعه إلى غرمائه، فاقتسموه بينهم، فأصابهم خمسة أسباع حقوقهم، قالوا: يا رسول الله بعه لنا، قال لهم رسول الله * [١٢٨/أ] *صلى الله عليه وسلم: «خلّوا عنه فليس لكم منه سبيل»، فانصرف معاذ إلى بني سلمة، فقال له قائل: يا أبا عبد الرحمن لو سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصبحت اليوم معدما؟، قال: ما كنت لأسأله، قال: فمكث يوما، ثم دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعثه إلى اليمن، وقال: «لعلّ الله يجبرك وتؤدّي عنك دينك»، قال: فخرج معاذ إلى اليمن، فلم يزل بها حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوافى السنة التي حج فيها عمر بن الخطاب، استعمله أبو بكر، على الحج، فألتقيا يوم التروية بمنى، فاعتنقا وعزى كل واحد منهما صاحبه برسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أخلدا إلى الأرض يتحدثان، فرأى عمر، عند معاذ، غلمانا، فقال:

ما هؤلاء يا أبا عبد الرحمن؟، قال: أصبتهم في وجهي هذا، فقال عمر: من أي وجه؟، قال: أهدوا إلي وأكرمت بهم، فقال عمر: اذكرهم لأبي بكر؟، فقال معاذ: ما ذكري هذا لأبي بكر، ونام معاذ فرأى في النوم كأنه على شفير النار، وعمر، آخذ بحجزته من ورائه أن يقع في النار، ففزع معاذ، فقال: هذا ما أمرني به عمر، فقدم معاذ، فذكرهم لأبي بكر، فسوغه أبو بكر ذلك وقضى بقية غرمائه، وقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لعلّ الله يجبرك» (٢).


(١) كتب بجانب نص المتن ما يلي: (أديّته على وزن أفعلته، أي: أعنيته، واستأديّت الأمير على فلان، فاأداني عليه، بمعنى: استعديته فأعداني عليه)، ومثله في: تاج العروس (ج ١٠ ص ١٢)، مادة: (أدى).
(٢) المستدرك (ج ٢ ص ٣٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>