لم يعرف الأئمة الأربعة التمذهب المستفتي ولا التعصب لرأي إمام بعينه، بل كان يدل بعضهم على بعض ويرشد إلى الآخرين حين طلب الفتوى؛ لكن الله كتب القبول للأئمة الأربعة في العالمين، وكان لهم تلاميذ حفظوا علمهم، ودونوه، واستنبطوا مآخذه، وتتبعوا أصوله وقواعده، فالتفت الناس إلى هؤلاء التلاميذ كالعنق الواحد، وكان من هؤلاء الأئمة ناصر السنة الإمام أحمد بن حنبل ﵀ آخر الأئمة زمنًا وأوسعهم رواية وأثرًا، صاحب ديوان الإسلام في الرواية: المسند، الذي جعل الدليل مستنده فأفنى عمره في طلبه، فتلقى عن الأئمة والعلماء ومنهم الشافعي ﵀.
وبما أن للإمام تلاميذ فقد دونوا عنه المسائل، وتتبعوا علمه، واعتنوا بأقواله وأفعاله غاية العناية حتى فاق أقرانه، ولم يدرك مَنْ بعده مكانه في تدوين المسائل عنه سواء أكانت في الأمور العلمية أم العملية، وهذا ما تميز به الإمام عن غيره من الأئمة الذين سبقوه.
ثانيًا: طور النمو والنقل والانتشار:
ويمتد من منتصف القرن الثالث، حتى أوائل القرن الخامس الهجري، والتي تنتهي بوفاة شيخ المذهب في زمانه الحسن بن حامد سنة ٤٠٣ للهجرة، وعرفت هذه الطبقة فيما بعد بطبقة المتقدمين.
وظهر في الجيلين الثاني والثالث من علماء الحنابلة من جمع مسائل الدين في كتب جامعة، ثم نسج أبواب الفقه معتمدًا عليهما.
وفي هذا الدور برز واشتهر علماء أجلاء، منهم عالم فذ جليل، له الفضل على كل منتسب للمذهب، ألا وهو:
١ - أحمد بن محمد، المعروف بالخلال، والذي توفي سنة ٣١١ ببغداد؛ الذي ألف كتابه الشهير: الجامع لعلوم الإمام أحمد، فلفت بمصنفه الأنظار، وصار مطلبًا لكثير من الأئمة والأعلام، وبان المذهب واتضحت معالمه، وشغل الناس به، ومن هنا بدأ ظهور الانتساب إلى الإمام أحمد،