لصحة حديث عائشة "أنها فعلته هي ورسول الله ﷺ فاغتسلا" إلى غير ذلك مما هو كثير جدًّا.
ولم يكن يُقَدِّم على الحديث الصحيح عملًا ولا رأيًا ولا قياسًا، ولا قول صاحب، ولا عدم علمه بالمخالف، الذي يسميه كثير من الناس بالإجماع، ويقدمونه على الحديث الصحيح.
وقال الإمام ابن القيم وغيره من علماء الأصول: قَد كَذَّب أحمدُ مَن ادّعى هذا الإجماع، ولم يُسِغ تقديمه على الحديث الثابت، وكذلك الشافعي أيضًا، نَصَّ في الرسالة على أنّ ما لم يُعلم فيه خلاف لا يُقال له: إجماع. وقال عبد الله ابن الإمام أحمد: سمعت أبي يقول: "ما يَدّعي فيه الرجلُ الإجماعَ فهو كَذِبٌ، وَمَن ادّعى الإجماع فهو كاذب، لعل الناس اختلفوا، ما يُدريه ولم يَنته إليه، فليقل لا نعلمُ النَّاسَ اختلفوا، هذه دعوى بِشْر المرّيسي والأصم، ولكنه يقول: لا نعلم الناس اختلفوا أو لم يبلغني ذلك".
ونصوص رسول الله أجلّ عند الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث من أن يُقَدِّموا عليها تَوَهُّم إجماع مضمونه عدم العلم بالمخالف، ولو سَاغَ لَتَعَطّلت النصوصُ وسَاغَ لكل مَن لم يَعلمُ مخالفًا في حكم مسألة أن يُقدِّم جهله بالمخالف على النصوص، فهذا هو الذي أنكره الإمَام أحمد والشافعي من دعوى الإجماع، لا ما يظنه بعض الناس أنه استبعاد لوجوده.
[الأصل الثاني: الأخذ بأقوال الصحابة ﵃ ما لم يكن لهم مخالف منهم]
كان الإمام أحمد ﵀ إذا وجد للصحابي فتوى في مسألة، ولا يُعرف له مُخالف منهم فيها لم يَتجاوزها إلى غيرها، ولم يَقُل: إن ذلك إجماع، بل مِن وَرَعِه في العبارة يقول: لا أعلم شيئًا يدفعه، أو نحو هذا، وكان إذا وجد هذا النوع عن الصحابة لم يُقدم عليه عملًا ولا رأيًا ولا قياسًا، فكانت فتاواه لذلك، مَن تَأمّلها وتَأمّل فتاوى الصحابة رأى مطابقة كل منهما للأخرى، ورأى الجميع كأنها تخرج من مشكاة واحدة.