وقد يكون من "الأموات" ملوك وأمراء يرتمون في أحضان العدو ولا يعنيهم غير الحفاظ على نفوذهم، وتنمية ثروتهم، وقد يكونوا من "الأموات" أناس هرأ السجود جباههم وهم أخطر على الإسلام والمسلمين من يهود تل أبيب، وقد يكونوا من "الأموات" أصحاب ملايين لا هم لهم إلا أن ينتجوا ... ويكدسوا ... ويهربوا إلى الخارج. وهم لا يفتأون يلهجون بالوطن والوطنية.
إن "الأموات" لا يحصون عددا في الأمة العربية، وخاصة بعد حرب الخليج التي ارتفعت فيها الأستار عن الوجوه وزالت المساحيق وظهر كل شيء على حقيقته. ثارت في نفسي هذه الخواطر والأفكار بعد أن تصفحت هذا الكتاب ـ[الجزائر الثائرة]ـ، لمؤلفه العالم الثائر، المجاهد الإسلامي الكبير، الأستاذ الفضيل الورتلاني، تصفحته لتقديمه إلى قراء العربية في طبعته الجديدة، وقد كنت قرأته منذ أكثر من عشرين سنة وكان أهداه إلى الأديب المصري الكبير المرحوم فريد أبو حديد بعد أن حدثني عنه في جلسة شاعرية في أصيل يوم من أيام الربيع بفناء الفندق الكبير بطرابلس الغرب، حدثني عنه حديث المعجب الذي يستروح من حديثه نسمة دافئة، ويتخيل من خلاله أنه مع المعجب به يراه وينساق معه في جيشان روحي لا حد له.
وأذكر أننا استعرضنا في هذه الجلسة طائفة من رجال الأمة الإسلامية الذين أضاءوا المصابيح أمام الأجيال المختلفة، وأزالوا الصخور عن طريقهم، ودفعوا بهم إلى معركة الإصلاح والتجديد، ومعركة المقاومة ضد الاستعمار بألوانه وأنواعه، أمثال شكيب أرسلان، والأفغاني، ومحمد عبده، وعبد الحميد الزهراوي، وعبد العزيز الثعالبي، ومحمد علي جناح، ومصطفى كامل، ويوسف العظمة، وعبد الحميد بن باديس، والإبراهيمي، والورتلاني، وغيرهم ممن لا يتسع المجال لذكرهم.