للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بهم محنة أو تنكرت لهم الحياة - ولا مناص من تنكرها يوما - ندبوا حظهم، وشكوا دهرهم واتهموا القدر بالظلم والجور!!.

وهؤلاء يظلون في الحياة ومع الحياة أمواتا، فإذا انتهت آجالهم، اختفت أسماؤهم، كما اختفت أجسادهم فلا يعودون يذكرون إلا على ألسنة أقاربهم، فكأنهم لم يعيشوا يوما في مجتمع أو بين قوم ...

وهذان الصنفان من البشر يعيشان معا في هذه الأرض، ويتشابهان في كثير من الصور والمظاهر، وتجمعهما أماكن ومناسبات، وترى الواحد من هذا الصنف أو ذاك فلا تستطيع أن تنسبه إلى صنفه، بل قد تظن أنه من صنف واحد "الأحياء" العاملين المجدين لفطانته ونباهته، ولفصاحته وحسن هندامه، أو تظنه من صنف "الأموات" لدمامة وجهه، أو عدم التناسق في ثيابه.

ولكن حقيقة كل منهما تختلف جذريا عن حقيقة الآخر، وهذه الحقيقة هي السر الكامن في النفوس الذي عليه مناط النجاح، وعليه يتوقف المصير سواء أكان ذلك بالنسبة إلى الفرد أو إلى المجتمع.

فالكسل والخمول، والخلود إلى الراحة، والاكتفاء بما كان، والرضا بما تجود به الصدف والمناسبات، والانكماش والإنزواء في الزوايا والجحور يشل المجتمع ويضع في أقدامه القيود الثقيلة حتى لا يستطيع الحركة والنهوض ...

وهذا "مجتمع الأحياء الأموات"، أو الغثاء والقشور، والجد والنشاط، والطموح والرغبة الملحاحة في التغيير، واختراع الفرص واغتنامها، والنزوع إلى حياة أفضل، وكمال ممكن. كل هذا يجعل المجتمع طاقات حية لا تخمد جذوتها، ولا تفتأ تضيء وتفجر الحياة وتصنع العجاب.

<<  <   >  >>