للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إنها تطرح الغثاء، وتلفظ القشور، وتحفظ اللب!!

وليس معقولا أن تتخلف عن الحياة نفوس غالية كبيرة، خلقت للحياة، ولا ترضى من الحياة إلا بالعظائم، وتستروح إلا في الجهاد من أجل العظائم، طبعها التحفز والاقدام والتحرك.

ولم يكن معقولا أن تبقى مع الحياة نفوس صغيرة وهمم خاملة.

وكنوز الحياة أمام هذين الصنفين وافرة، وأبوابها كثيرة، آفاقها مشرقة.

وميادينها واسعة فسيحة، ولكنهما في وضعين مختلفين، وعلى طبيعتين متباينتين، ومن هنا كان الصنف "غثاء" وكان الصنف الآخر "لبا".

إن من قبيل التأكيد لا من قبيل التكرار والإعادة أن نقول أن الأحياء أدركوا سر وجودهم وفهموا أن مصيرهم بأيديهم، وعرفوا أن الحياة للجديرين بها الذين يجدون وراءها، ويطمحون إلى آفاقها البعيدة المشرقة، ويطرحون أبوابها المختلفة صباح مساء دون أن يملوا ... ويصمدون في الميدان ... ويواجهون الصعاب والمتاعب مستهنين بكل ما يعرض لهم من محن ومشاق لأنهم يعلمون أن الحياة صراع وبذل معاناة، وأن العاقبة فيها للعاملين الصابرين.

وهؤلاء يظلون مع الحياة يحتفظون بقوتهم وحركتهم وحرارتهم ... وبالجذوة المقدسة التي وهبها الله لهم حتى تنتهي آجالهم فوق هذه الأرض، ومع هذه الحياة، ثم تبدأ حياتهم التاريخية التي لا تنتهي، فهم على الدوام أحياء أقوياء كالحياة لا يعرفون الضعف ولا الركود ... ولا يموتون!

أما "الأحياء الأموات" فقد غفلوا عن سر وجودهم، وشغلوا عن السمو بالقعود والإسفاف، وعن المضي في الطريق الصاعد بالتردد، وعن العمل بالأماني والأحلام، وعن صنع الظروف بانتظار من يصنعها، فإذا هزتهم عاصفة، أو نزلت

<<  <   >  >>