عبوديتكم التي لا بد منها لكم فليمنعوا إذن قطيعا من السفر إلى الحج وغير الحج وليبقوا إذن في القفص الضيق جاهلين كل ما يجري في الدنيا من أحداث لعلهم يرضخون ويستسلمون ولو بعد عناء طويل. هذا هو الغرض الأول والأهم.
والغرض الثاني: أن توهموا الناس بأنكم أحرار كرماء لا تعترضون على الشعائر الدينية بل تساعدون على أدائها ودليلكم المادي هو هذه المجموعة المسكينة التي أطلقتم عليها اسم الحجاج والتي وضعتموها في علب من الطائرات ثم أقمتم عليهم رقباء في غدواتهم وروحاتهم يعدون عليهم أنفاسهم ويحصون عليهم إشاراتهم ولا يتحركون ولا ينطقون إلا تحت سمعكم وبصركم ولا ينتقلون إلا بالأوامر الصارمة منكم كأنهم شرذمة من المجرمين يساقون إلى مقرهم في السجن المؤبد ويدفعون إلى مصيرهم في الأشغال الشاقة ويعيشون باسم الحج والعبادة في هذا الجو الإرهابي القلق الذي يحيطهم من كل جانب وشهده رجال الشرق من بعد ومن قرب معا ويأخذ الدهش منهم مأخذه ويكادون يكذبون مع المشاهدة والعيان أن هذه فرنسا الجديدة وأن هؤلاء العظماء والتعساء هم أصدقاؤها بل أذنابها الموالون الطائعون وأنا حقا في سنة ١٩٤٥ وهو العام الذي شملت فيه الحرية فرنسا حتى النساء وأصحاب العشرات منهن مشرعات تحت قبة البرلمان بباريس وطبيعي أمام هذه الرواية الهزلية أن يتسائل الشرقيون إذا كانت فرنسا تعامل جماعة من أخلص الناس إليها انتقتها بنفسها من بين مئات الآلاف من موظفيها الطائعين وخدمتها المخلصين وأوفدتهم على حسابها وسيعود ون بعد حين إلى خدمتها والعيش في كنفها إذا كانت تعامل هؤلاء الموالين المسبحين بحمدها ولو في الظاهر على الأقل بهذا الأسلوب الرجعي القديم فكيف تكون معاملتها لمعارضيها من الأحرار الساخطين الثائرين وهم بقية الـ ٣٠ مليونا من سكان هذه البلاد؟ لا بد أنهم شر مستطير وأنهم في فتنة هوجاء وأنهم في بلاء لا يعلم مدى