للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أعمق الامتزاج بروح الانتقام والتشفي، وتظهر بأفظع أشكال الإذلال والامتهان، وبسياسة ترمي إلى إفناء العرب وتحويل أرضهم بتراثها المجيد وخيراتها العميقة أرضا فرنسية صرفة، وهذا يفسر كيف أن سياسة فرنسا مع العرب، سواء أكان ذلك قبل قرن وبعض القرن في الجزائر ثم في تونس ومراكش، أم في سوريا ولبنان منذ احتلالها لهما، لم تتبدل الظروف والمصالح، لأن المحرك الحقيقي لتلك السياسة كان دائما ذلك الكره العاطفي والتصميم النهائي على اعتبار العرب عدو يجب أن يزول إما بالفرنسية وإما بالموت.

وها هي فرنسا قد مضى على احتلالها الجزائر أكثر من قرن امتصت خلاله ثروة الأرض العربية فيها حتى آخر قطرة، وسخرت لخدمتها السكان في حروبها والدفاع عن مصالحها، ومع ذلك فما كادت تخرج من تحت وطأة الاحتلال الأجنبي في نهاية هذه الحرب حتى كان أول ما خطر لها أن تعمله في حياة السلم الجديدة أنها صبت النيران على عشرات الألوف من عرب الجزائر العزل فأمنت قرى وقبائل دون أي مبرر أو سبب يستوجب مثل هذه الفظائع. وها هي فرنسا التي بلاها العرب في سوريا ولبنان طوال ربع قرن وابتلوا بها تنتظر فرصة إعلان السلم العالمي لتؤيد عهدها الذي قطعته لسوريا بالاستقلال بارتكاب فظائع وأهوال ضج باستنكارها العالم قاطبة. وهي لا تزال حتى هذه الساعة وبالرغم من التجارب الأليمة ومن فشل سياستها المفضوحة المرة تلو الأخرة تصر على طلب امتيازات ونفوذ وسيطرة في سوريا ولبنان، وتسخر كل ما بيدها من حيلة وكل ما لمركزها السياسي في أوروبا من إغراق لإستمالة إنكلترا إلى مساعدتها في نيل مآربها من هذين البلدين العربيين، علاوة على أن موقفها العدائي من الجامعة العربية وعزلها عرب المغرب عن الانضمام إلى تلك الجامعة، وسعيها الحثيث، لإحباط كل ما يسير بالمغرب نحو وحدتهم ونهضتهم هو أمر لا يحتاج أن يقوم عليه دليل.

<<  <   >  >>