إلى ما بيد الأهالي من الأقوات فانتزعوها منهم ليقتلوهم جوعا أو يذلوهم فينزلوا عن إرادتهم ويرضوا مكرهين بالمسخ والفرنسية التي أرادوا لهم.
لقد احتمل أولئك العرب الأمجاد كل هذه المحن وقبلوا كل تحد بالحديد والنار في الثورات الدموية الخطرة استمساكا بمطالبتهم بالحرية والاستقلال محتفظين بقوميتهم العربية الإسلامية كاملة غير منقوصة.
لقد قتل في الثورة الجزائرية الأخيرة وحدها على أصح الروايات ٣٦ ألفا من العرب وقبض على ما يزيد على ٦٠ ألفا تحت المحاكمة وحكم على المئات فعلا بالإعدام ونفذ الإعدام في بعضهم وأرجئ في البعض الآخر كل ذلك على سبيل الإرهاب لعل هذا الشعب العنيد تلين قناته فيشتري حياته بالتنازل عن قوميته وكرامته فيتقبل الجنسية الفرنسية وينال الحرية البيضاء ولكنه لم يزده هذا الإرهاب المبيت وهذه الوحشية المهلكة إلا مبالغة في الإباء وزيادة في العناد الشريف وعدم الرضا إلا بالحرية الحمراء التي تحفظ له قوميته وكرامته، ولو على أشلاء الرجال والنساء والشبان والأطفال، ولو على أنقاض المدن وخرائب القرى.
لله دره من شعب جبار! ما أجدره بنخوة العرب وعزة الإسلام، وما أحقه بالمجد والخلود.
والغريب المدهش أن تحيط بهذا الشعب كل هذه المحن ويغرق في كل هذا البلاء، وهو أعزل لا يملك إلا الإيمان بالله والثقة بالنفس ثم تجده واقفا على رجليه لا يرتعش ثابتا في مكانه وعلى مبدئه لا يطيش. بينما تقف فرنسا الجبارة أمامه يساندها أسطولها في البحر، وطائراتها وقنابلها في الجو، وجيوشها ودباباتها ومدافعها في البر ومليون من المدنيين مسلحين معهم السلطان والمال ثم تقف بكل ذلك أمامه حائرة ترتعد.
ويصور هذه الحقيقة تصريح رسمي لرجل مسؤول يمثل الحكومة الفرنسية وهو عضو في مجلس نوابها ومكلف من قبلها للتعرف على أحوال سكان هذه البلاد