الحكومة الفرنسية ستتخذ من تلك الكارثة عبرة، وتعود إلى شيء من رشدها، وتخفف جانبا مجن طغيانها فتجد فيها الشعوب المصابة باحتلالها شيئا من الرفق، بل يجدون منها دولة تنادي بحرية الشعوب على الإطلاق، وتكون في مقدمة من يعملون لمحو كلمات (الاحتلال - الحماية - الانتداب - الوصاية) من معاجم السياسة الدولية، ولكنها نهضت من مصرعها ولم تفكر في شيء غير أن تعود إلى سيطرتها على تلك الشعوب فجاءت تنظر إليهم نظرة من كانوا السبب في سقوطها وأخذت تذيقهم من ألوان الاضطهاد والتنكيل ما لا يحتمله بشر، ولا سيما بشر لا يزالون يذكرون ما كان لسلفهم من عزة وسيادة ومدنيه راقية، وليست الثورات العنيفة التي تقوم بها تلك الشعوب اليوم وقبل اليوم إلا وليدة اضطهادها لهم واعتدائها على حريتهم.
وفرنسا تعلم أن الثورات التي قامت في شمال إفريقيا إنما يدعو إليها أباء الضيم والطموح إلى الاستقلال ولكنها تريد أن تشوه تلك الثورات البريئة بعلل لا أصل لها ولا فرع، كزعمها أن هذه الثورات وليدة الدعاية النازية، أو أن الدافع إليها البؤس والمجاعة، ونحن نعلم أن القائمين بهذه الثورات يقدرون النظم الاجتماعية الإسلامية قدرها فلا تحدثهم أنفسهم بأن يستبدلوا بها مذهبا من هذه المذاهب الحديثة، ونعلم أن كثيرا من زعماء هذه الثورات يعيشون في بسطة من الرزق.
إذن فالثورات على فرنسا وشمال إفريقيا كالثورة في سوريا ولبنان، إنما هي بنت أباء الضيم والذود عن الكرامة.
كانت أخبار الثورة السورية تنشر في العالم يمينا ويسارا، ويطلع الناس على أسبابها وما كان يقع فيها من الحوادث ساعة فساعة، حتى استطاعت الشعوب العربية قريبة أو بعيدة أن تغضب لها وتتحفز لاقتحام أرض سوريا مناصرون لها على الاحتفاظ باستغلالها. واستطاعت الشعوب الأخرى كالهنود أن تعلن استنكارها للاعتداء الفرنسي وتحتج عليه بشدة، ولكن شمال إفريقيا تقوم فيه