الثورات ذودا عن الكرامة، وطموحا للحرية، وأول ما تعمله فرنسا أن تقيم بينه وبين العالم الذي من شأنه أن يغضب له سدودا منيعة ثم تملأ أيدي جنودها بالأسلحة الفتاكة والمقذوفات النارية الساحقة وتغريهم بأولئك المستضعفين من الرجال والنساء والولدان فيصبوا عليهم البلاء من فوقهم وعن أيمانهم وشمائلهم في غير هوادة تقوم تلك المجازر البشرية ولا يتسرب من أخبارها إلى الشرق سوى كلمات تتلقاها بعض شركات الأنباء عن طرق تأثيرها بروح ذلك الاحتلال كما نقلوا أن في بلاد الجزائر ثورة تلفت فيها آلاف من النفوس ثم أخمدتها القوة الفرنسية ويزيدون على هذا أن سببها المجاعة الفادحة وأن القائمين بها أتوا إلى الحكومة الفرنسية خاضعين تائبين، إلى نحو هذا من الأساليب التي يتهمون بها إخوانهم في الشرق أنهم فقدوا نخوتهم العربية والإسلامية وأنهم غير مصممين على دفاع الاحتلال الفرنسي بل توهم إخوانهم في الشرق أنهم راضون بأن يكونوا رعايا لفرنسا وأن تكون أوطانهم قطعة من الأرض الفرنسية.
والواقع أن تلك الشعوب وقد تقلبنا في مدنها وقراها لا زالت في مدنها وقراها لا زالت تفاخر بعربيتها وترى أن سعادتها في الاحتفاظ بإسلاميتها وقد عرف مؤتمر الجامعة العربية أن لأولئك العرب من الحقوق ما لسائر الشعوب العربية فأعلن في ميثاق إتحاد الجامعة أنها ستعني بشأنهم وتقدم المستطاع في مساعدتهم على بلوغ أمنيتهم، وذلك ما زاد قيمة الميثاق ورفعه جعل أولئك العرب المغلوبين في شمال إفريقيا على أمرهم يتقبلونه بالابتهاج وترديد عبارات الثناء والشكر، وما لنا أن نضع قضية شمال إفريقيا تحت أنظار جامعة الدول العربية وندعها تتصرف فيها على مقتضى الحكمة والشهامة ونود لو أن الجامعة الموقرة تفتتح جهادها بشيء من الأعمال الدالة على أنها معنية بأمر تلك البلاد العربية، وتعرض الآن عملا سيكون له في نفوس أولئك العرب وقع عظيم، وهو إرسال وفد من نبهاء الشرق، ليتجول في تلك البلاد (تونس - والجزائر - ومراكش) وينظر في حالتهم السياسية والثقافية