وشاء القدر بعد عمر حافل بجلال الأعمال أن تكون النهاية في أنقرة يوم ١٢ مارس ١٩٥٩ ولكن يخطئ من يظن أن للعظماء نهاية بموتهم، فالذين ينتهون بموتهم ويختفون باختفاء أجسامهم في التراب إنما هم "الأموات الأحياء" أما العظماء الذين تتجدد الحياة بجهادهم ونضالهم فإنهم لا يموتون، بل يبقون على الدوام في القلوب وعلى الألسن، وفي الأعمال التي خلفوها وراءهم.
دقات قلب المرء قائلة له ... إن الحياة دقائق وثوان
فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها ... فالذكر للإنسان عمر ثان
وفي يوم ١٢ مارس سنة ١٩٨٧ نقل رفاة الأستاذ الفضيل الورتلاني من أنقرة إلى مسقط رأسه ببني ورتلان بالجزائر، وكان يوما مشهودا، وقف الناس حول نعشه وجوههم إلى الأرض وأفكارهم إلى الوراء، يستعيدون تاريخ هذا الرجل من يوم أن كان طفلا صغيرا يتعلم القرآن في كتاب القرية إلى يوم أن احتضنته قسنطينة طالبا في حلقات الإمام ابن باديس أو مساعدا له. أو معلما في التربية والتعليم إلى أن كون جمعية التهذيب بباريس لإنقاذ الآلاف من أبناء الجزائر من التفرنس والتمسيخ إلى رحلاته في مختلف الأقطار العربية والإسلامية من أجل الجزائر والإسلام والعربية وقضايا التحرر في العالم.
وكان يوم نقل رفاته يوما مشهودا انتصر فيه الأستاذ الفضيل وهو رفاة انتصارا باهرا له أبلغ المعاني وأسمى الدلالات: انتصر جهاده الطويل من أجل العربية والإسلام، ومن أجل أن تتحرر الجزائر من الاستعمار الفرنسي، وانتصر إيمانه الذي طالما قهر التبشير والتنصير في الجزائر وفي فرنسا، وانتصرت إرادته التي طالما حاولت غلاة الاستعمار وطغاته، وانتصرت بلاغته التي طالما افحمت فرنسا الفصاحة والبيان.