تكون أساسا صالحا، تقوم عليه العلاقة بين دولتين، وهي تعبر عن قصر في النظر ونجده دائما في السياسة حينما يمليها الجيش وينفذها العسكريون.
فليس من الغريب أن يكون، عمل فرنسا في مراكش منذ أن أكرهتها حرابها على إمضاء هذه المعاهدة، في ٣١ مارس سنة ١٩١٢، سلسلة من الأخطاء، تفضي حلقة منها إلى حلقة حتى تصل إلى السنة الحالية. فالنظام الذي تخضع له مراكش، نظام لا يمكن أن ينتج إلا الصدام بينها وبين الفرنسيين، فقد ألغوا هيئة إدارية فرنسية، إلى جانب الحكومة الوطنية الشرعية، وأعطوا لهذه الهيئة الحق في أن تتصرف كيف تشاء - ووضعوا زمام الجيش في يدها. وهكذا فقدت الحكومة الوطنية القدرة على التصرف، إزاء هذه الهيئة التي يسندها الجيش. وحيثما أنست الهيئة من نفسها قدرة التحكم بدأت تظهر نتائجها المروعة، فإذا بالبلاد من أقصاها إلى أقصاها، تعيش في ظل جاسوسية غريبة، فقد أنبث أعوان الهيئة في كل الأرجاء حتى أصبح مجرد الحياة عبثا لا يطاق، واستولت الهيئة على أموال الأوقاف الضخمة وممتلكاتها الكبيرة. وبدأت تستغلها في سبيل تنمية ثروة الجالية الفرنسية، وأضاف إلى ذلك أنها خلقت سياسة عنصرية، وبدأت تقسم البلاد إلى مناطق صغيرة تضرب حول كل منطقة، منها سياجا من الحراب، وأصبح المراكشي في بلاده، لا يملك حتى التنقل فيها إلا بجواز سفره وأرادت الهيئة أن تحول بين الشعب، وبين التطور فخلقت ما سمته "مصلحة الآثار".
ومهمتها الإشراف على البلاد، بحيث لا تسمح بإحداث أي تغيير في أسلوب الحياة، وبحيث تظل مراكش متحفا للآثار! ثم ساعدت الهيئة أفراد الجالية الفرنسية بالقوة على احتلال أراض شاسعة فيحاء، بحيث تصبح مقادير البلاد الزراعية بعد مرور وقت كاف في أيدي زمرة من الرأسماليين الفرنسيين يحكمون كيف شاءوا في حياة مراكش اليومية، دون أن يكون لهم غرض سوى امتصاص دم شعب، لا ينتمون إليه ...