وضربت بيد من حديد على كل ما ينتمي إلى الحريات العامة، فليس في مراكش شيء يسمى حق التعبير عن الرأي، ولا بد من رقابة الهيئة، على كل مطبوع، مهما كان تافها قل النشر، والاجتماعات العامة محظورة بصفة باتة، بقرار من الهيئة، وحتى حرية العبادة نفسها، أصبحت مهددة بعد أن أصدرت الهيئة قرارا، يقضي بالشروع في تنصير سكان جبال الأطلس، والاستحواذ على مقاليد التعليم في مدارسهم، وتحويل قانونهم عن القانون الإسلامي العام. وهكذا أصبح القانون يتغير في مراكش بحسب المناطق، وضاعت وحدة البلاد القانونية، كما ضاعت وحدتها السياسية: إذ أن معاهدة الحماية السالفة الذكر، تقضي بتقسيم مراكش إلى منطقتين، واحدة كبرى تحميها فرنسا في الجنوب، وأخرى صغرى تحميها إسبانيا في الشمال، ثم اقتطعت من البلاد منطقة ثالثة سنة ١٩٢٣، هي مدينة طنجة وضواحيها. يضاف إلى هذا، حكم الإرهاب المنتشر في البلاد، حيث يساق الناس إلى المقصلة، وإلى المنافي القاحلة، في غرب إفريقيا السوداء، وصحرائها الجرداء، ويفرج عن فوج من الشباب ليساق إلى السجن بدله فوج آخر.
هذا هو الجو الذي تعيش فيه مراكش، وليس من الغريب أن لا يعرف العالم الخارجي الديمقراطي، شيئا مطلقا عما تقاسيه، لأن الهيئة الحامية، ضربت حولها حلقة من حديد، لا تتسرب منها الأخبار، وليس من الغريب كذلك، أن يرفع الشعب المراكشي، في هذا الظرف صوته مطالبا بالاستقلال، مؤيدا الوثيقة المعبرة عن أمانيه بالرغم من الخطر المستطير الذي يتهدده بسبب هذه المطالبة.
كما أنه ليس من الغريب، أن ينظر جلالة الملك المعظم محمد الخامس إلى هذه المطالبة، بعين العطف والرعاية، ويرى أن لشعبه الحق، بعد كل ما عاناه، في أن يعبر عن إرادته، ذلك أن عينه الساهرة، على مصالح شعبه، تجعله يؤيد كل ما يؤدي إلى الرفاهية العامة، ويرفع عن الناس، كابوس الظلم والاضطهاد. وقد رأى القوة إلى جانب الفرنسيين، ورأى الحق إلى جانب شعبه، فآثر أن ينضم