للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولد فيها. كما أصبحت الكثير من المعامل والمصانع في القطر الجزائري، معروضة للبيع بأسعار زهيدة، لكن لا تجد من يشتريها، وهنالك شركات كبرى أصبحت تهرب رؤوس أموالها، إذ شعرت أن الهوة المحفورة بين المسلمين والفرنسيين تزداد عمقا واتساعا، فالمواقف قد تصلبت، ولم يبق هنالك من معتدل، إذ انضم المعتدلون إلى المتطرفين كما لم يبق هنالك من يستطيع التوسط بين الجانبين.

فهل يمكن التفكير في حل عسكري لهذا المشكل الرهيب.

لكن، إذا كان ثلاثمائة ألف عسكري، لم يستطيعوا التغلب على عشرين ألفا من الثائرين، فهل ترى خمسمائة ألف جندي يستطيعون ذلك؟ فإذا كانت "ديان بيان فو" غير ممكنة في الجزائر، التي لا تبعد إلا ساعتين عن فرنسا، فإن النصر العسكري على الثورة، يعتبر مقابل ذلك من قبيل المستحيلات. ثم إن الأمر المحقق إلى جانب كل ذلك، هو أن ما دامت الثورة قائمة بالبلاد الجزائرية، فهيهات أن تستقر الأمور بالبلاد التونسية، وبالمغرب الأقصى.

فلم يبق أمامنا إلا باب واحد فقط لفض المشكل، ألا وهو "المفاوضة" مع رجال الثورة. لكن الحكومة الفرنسية ليست الآن مع هذه الفكرة. فالمفاوضة لا تقع إلا على قاعدة الاعتراف بـ "الواقع القومي الجزائري" ومعنى هذا استقلال القطر الجزائري، أو على أقل تقدير، الاستقلال الداخلي للقطر الجزائري. ولا يوجد أصلا، أي جزائري يستطيع المفاوضة على غير هذه القاعدة، كما أنه لا يجب الاعتقاد بأنه يوجد زعيم ثائر، يستطع أن يصدر أوامره بوقف إطلاق النار لجنوده، إلا إذا ما أسفرت المفاوضات على أمور عملية حقيقية. ونحن نعرف أن خلافا عظيما جدا بين وجهات النظر، لا يزال موجودا بين الفرنسيين والمسلمين.

فمسيو جي مولييه يكون غالطا جدا، إذا اعتقد أن "الفلاقة" سوف يضعون السلاح من أيديهم لمجرد ندائه الموجه لهم، دون أن ينالوا أي مقابل. والزعماء

<<  <   >  >>