للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني: لو صح فهو مما لم يعلم تاريخه؛ لأن ابن عباس لم يقل: شهدت رسول الله ، ولا رأيته فعل ذلك، وإنما روى رواية مطلقة، ومن المعلوم أن أكثر روايات ابن عباس إنما أخذها من الصحابة، والذي فيه سماعه من النبي لا يبلغ عشرين قصة كما قاله غير واحد من الحفاظ، فمن أين لكم أن ابن عباس لم يرو هذا عن صحابي آخر كأكثر رواياته؟ وقد روى ابن عباس أحاديث كثيرة مقطوعًا بأنه لم يسمعها من النبي ، ولا شهدها ونحن نقول: إنها حجة، لكن لا نُثبت بذلك تأخرها ونسخها لغيرها ما لم يُعلم التاريخ.

الوجه الثالث: معنى «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»: أنهما أفطرا بغير الحجامة، فإنهما كان يغتابان.

واعترض عليه: بما قاله الحافظ (١): جَاءَ بَعْضُهُمْ بِأُعْجُوبَةٍ فَزَعَمَ أَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم» لِأَنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ، قَالَ: فَإِذَا قِيلَ لَهُ: فَالْغِيبَة تُفْطِرُ الصَّائِمَ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَعَلَى هَذَا لَا يَخْرُجُ مِنْ مُخَالَفَةِ الْحَدِيث بِلَا شُبْهَة.

وقال ابن خزيمة (٢): فَإِذَا قِيلَ لَهُ: فَالْغِيبَةُ تُفْطِرُ الصَّائِمَ زَعَمَ أَنَّهَا لَا تُفْطِرُ الصَّائِمَ. فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ عِنْدَكَ إِنَّمَا قَالَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم» لأَنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ وَالْغِيبَةُ عِنْدَكَ لَا تُفَطِّرُ الصَّائِمَ، فَهَلْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالله، يَزْعُمُ أَنَّ النَّبِيَّ أَعْلَمَ أُمَّتَهُ أَنَّ الْمُغْتَابَيْنِ مُفْطِرَانِ، وَيَقُولُ هُوَ: بَلْ هُمَا صَائِمَانِ غَيْرُ مُفْطِرَيْنِ، فَخَالَفَ النَّبِيَّ بِلَا شُبْهَةٍ وَلَا تَأْوِيلٍ.

الوجه الرابع: ما قاله الشافعي: القياس مع حديث ابن عباس.

أي: أن الفطر مما دخل كالطعام والشراب أو التلذذ بالجماع أو التفيؤ.

واعترض عليه بما قاله ابن القيم (٣): ثم نقول: بل القياس من جانبنا؛ لأن الشارع علق الفطر بإدخال ما فيه قوام البدن من الطعام والشراب، وبإخراجه من القيء، واستفراغ المني، وجعل الحيض مانعًا من الصوم؛ لما فيه من خروج الدم المضعف للبدن.


(١) «فتح الباري» (٤/ ٢١٠).
(٢) «صحيح ابن خزيمة» (١٩٦٦).
(٣) «تهذيب السنن» في شرح حديث (٢٢٦٨). انظر: «إعلام الموقعين» (٣/ ١٨٩). ومن أراد المزيد فقد أورد ابن القيم في هذا الصدد بحثًا ماتعًا في تهذيب السنن في شرح حديث (٢٢٦٨).

<<  <   >  >>