قالوا: فالشارع قد نهى الصائم عن أخذ ما يعينه، وعن إخراج ما يضعفه، وكلاهما مقصود له؛ لأن الشارع أمَر بالاقتصاد في العبادات، ولا سيما في الصوم؛ ولهذا أمَر بتعجيل الفطور وتأخير السحور، فله قَصْد في حفظ قوة الصائم عليه، كما له قصد في منعه من إدخال المفطرات، وشاهده الفطر بالقيء والحيض والاستمناء، فالحجامة كذلك أَوْلى، وليس معنا في القيء ما يماثل أحاديث الحجامة، فكيف يفطر به دون الحجامة؟
فالراجح أن من احتجم في نهار رمضان أن يقضي يوما مكانه. والله أعلم.
وهنا مسألة على قول من قال «بأن الحجامة تفطر الصائم هل يفطر الحاجم والمحجوم؟
قال ابن القيم: القائلون بأن الحجامة تفطر لهم فيها أقوالٍ:
أحدها: أن المحتجم يفطر وحده دون الحاجم.
الثاني: وهو منصوص الإمام أحمد - أنه يفطر كل منهما، وهذا قول جمهور أصحابه المتقدمين والمتأخرين.
فإن قيل: فهب أن هذا يتأتى لكم في المحجوم، فما الموجب لفطر الحاجم؟
قلنا: لما كان الحاجم يجتذب الهواء الذي في القارورة بامتصاصه، والهواء يجتذب ما فيها من الدم، فربما صعد مع الهواء شيء من الدم، ودخل في حلقه وهو لا يشعر، والحكمة إذا كانت خفية علق الحكم بمظنتها، كما أن النائم لما كان قد يخرج منه الريح ولا يشعر بها، علق الحكم بالمظنة، وهو النوم، وإن لم يخرج منه ريح.
فإن قيل: فطَرْد هذا أن لا يفطر الشارط.
قلنا: نعم، ولا الحاجم الذي يشرط ولا يمص، أو يمصه مفطر غيره، وليس في هذا مخالفة للنص، فإن كلام النبي ﷺ خرج على الحاجم المعتاد، وهو الذي يمص الدم، وكلامه إنما يعم المعتاد، فاستعمال اللفظ بقصره على الحاجم المعتاد لا يكون تعطيلًا للنص (١)، والله أعلم.
(١) «حاشية ابن القيم على أبي داود مع عون المعبود» (٩/ ٥١٢، ٥١٣)