واستدلوا لذلك بالكتاب والسنة والقياس:
أما دليلهم من القرآن فعموم قوله تعالى: ﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ الله لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: ١٨٧] وقد دلت هذه الآية على أن الصيام المأمور بإتمامه ترك الوطء والأكل، فإن وُجِد فيه الجماع لم يتم صومه.
واعترض عليه: بأن هذه الآية عامة، وقد خرج الناسي من عمومها بدليلٍ خاصٍّ، وهو قول النبي ﷺ «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ؛ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ الله وَسَقَاهُ».
أما دليلهم من السنة: فاستدلوا بأن النبي ﷺ أمَر المجامِع بالقضاء بقوله «وَصُمْ يومًا مَكَانَهُ» ولم يسأل عن حاله، هل كان عامدًا أو ناسيًا؟
واعْتُرِضَ عليه من وجهين:
الأول: أن هذه اللفظة لا تصح.
الثاني: لو صحت فليس فيها دليل لهم، بل فيه دليل عليهم، وهي قول الرجل (هلكت)، وهذه تدل على العمد.
وأما دليلهم من القياس: فقاسوا ناسي الصوم على ناسي الصلاة، فكما أن ناسي الصلاة يجب عليه قضاؤها بالنصِّ إذا ذكرها، فكذلك ناسي الصوم.
واعْتُرِض عليه: بأن العبادات لا تقاس على بعضها.
قال ابن رشد: إيجاب القضاء بالقياس فيه ضعف (١).
وأما دليلهم على سقوط الكفارة: فقالوا: لأن الكفارة وجبت لرفع الإثم، والناسي مرفوع عنه الإثم؛ لقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ قال الله: قد فعلت.
القول الثالث: أن من جامع ناسيًا أو جاهلاً - كمن جامع عامدًا يفسد صومه ويجب عليه القضاء والكفارة. وهو قول الحنابلة في الصحيح من المذهب، وقول للمالكية
(١) «المغني» (٤/ ٣٧٤)، و «الإنصاف» (٣/ ٣١١)، و «المجموع» (٦/ ٣٢٤).