للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجه الآخر: أنه ورد خلاف هذا عن عمر:

فَعَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: «كَانُوا يَقُومُونَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ في شَهْرِ رَمَضَانَ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً، وَإِنْ كَانُوا لَيَقْرَءُونَ بِالمئِينَ مِنَ الْقُرْآن (١).


(١) يزيد بن خصيفة رواه عنه ابن أبي ذئب، أخرجه الفريابي في «الصيام» (١٣١)، وعلي بن الجعد في «مسنده» (٤١٣)، ومحمد بن جعفر، أخرجه البيهقي في «معرفة السنن والآثار» (٤/ ٤٢) بلفظ: «كُنَّا نَقُومُ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً وَالْوِتْرِ».
إسماعيل بن أمية، عن محمد بن يوسف، ويزيد بن خصيفة بلفظ: «فكنا نقوم بأحد عشر أو واحد وعشرين». أخرجه أبو بكر النيسابوري في «فوائده» (٢/ ١٣٥) ومدار هذا الحديث على يزيد بن خصيفة، وإن كان ورد عن أحمد أنه قال عنه: «منكر الحديث»؛ فقد قال أبو بكر الآجري: سألت أحمد عن يزيد بن خصيفة فقال: ثقة ثقة. وفي رواية ابن عبد الله: ما أعلم إلا خيرًا. وقد أجاب الحافظ ابن حجر عن قول أحمد: (منكر الحديث)، فقال: هذه اللفظة يطلقها أحمد على من يُغرب على أقرانه بالحديث، عُرف ذلك بالاستقراء من حاله، وقد احتج بابن خصيفة مالك والأئمة كلهم. كما في «هدي الساري مقدمة فتح الباري» (١/ ٤٥٣). وقال الحافظ في «النكت على مقدمة ابن الصلاح» (١/ ١٠٨): أطلق الإمام أحمد والنسائي وغير واحد من النقاد لفظ المنكر على مجرد التفرد، ولكن حيث لا يكون المتفرد في وزن من يحكم لحديثه بالصحة بغير عاضد يعضده.
وإن كان قال ابن حبان: (يزيد بن خصيفة من جلة أهل المدينة، وكان يهم كثيرًا إذا حدث من حفظه)، فقد قال ابن معين: ثقة حجة. وقال أبو حاتم الرازي: ثقة. وقال النسائي: ثقة. ووثقه ابن عبد البر وابن شاهين وابن سعد والذهبي وابن حجر وغيرهم. انظر: «إضاءة المصابيح» لأخي الشيخ/ أبو شهاب الأسيوطي.
فالحاصل في هذا الحديث: أن مداره على السائب بن يزيد، واختلف عليه، فرواه محمد بن يوسف بلفظ: إحدى عشرة ركعة. هذا صحيح. ورواه يزيد بن خصيفة بلفظ: إحدى وعشرين ركعة، أي بالوتر. وعشرين ركعة، أي: من غير الوتر. إسناده صحيح. والجمع بين هذه الروايات ممكن باختلاف الأحوال. ويحتمل أن ذلك الاختلاف بحسب تطويل القراءة وتخفيفها.
وإن قال قائل: لابد من الترجيح، فرواية إحدى عشرة أرجح، وهي الصحيحة؛ فعمر إن كان أمر بالصلاة بإحدى عشرة ركعة فهو لم ينه عن الزيادة عن إحدى عشرة، وقد روى مالك في «الموطأ» (٥/ ٩٦) بإسناد صحيح عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلم، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، أَيْقَظَ أَهْلَهُ لِلصَّلَاةِ.
قال أبو الوليد الباجي: قَوْلُهُ: (إَنَّ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ) يَقْتَضِي أَنَّ التَّنَفُّلَ غَيْرُ مَحْدُودٍ، وَأَنَّ ذَلِكَ بِحَسَبِ قُوَّةِ كُلِّ إنْسَانٍ وَنَشَاطِهِ.

<<  <   >  >>