الثالث: أن العلماء اختلفوا فيما اختاره النبي ﷺ لنفسه من عدد الركعات، هل هو إحدى عشرة أو ثلاثة عشر، ولم يختلفوا في أن الصلاة لا حد لها، وأنها نافلة مطلقة، فمن شاء استقل، ومن شاء استكثر. قال ابن القطان الفاسي: وجل الآثار أن صلاته ﵇ بالليل إحدى عشرة ركعة، وأجمعوا أنه لا حد في صلاة الليل وأنها نافلة، فمن شاء صلى كيف شاء، استقل أو استكثر. الوجه الرابع: أن النبي ﷺ صح عنه أنه صلى بعد الوتر، وهذا دليل على أن صلاة الليل نفل مطلق، وعلى جواز الزيادة على إحدى عشرة. واستدلوا بأن صلاة التراويح نافلة مقيدة بإحدى عشرة ركعة كالفرائض. واعترض عليه: بما قاله الإمام ابن العربي: ليس لصلاة رمضان ولا لغيرها تعديد، إنما التعديد والتقدير للفرائض، وإنما هو قيام كله إلى طلوع الفجر لمن استطاع على قدر ما تنتهي إليه قدرته. واستدلوا أيضًا بما روى مالك عن محمد بن يوسف عن السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ قَالَ: أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً. واعترض عليه: بأنه ورد خلافه عن عمر، فَعَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: «كَانُوا يَقُومُونَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً». وإسناده صحيح. والجمع بين هذه الروايات ممكن باختلاف الأحوال، ويحتمل أن ذلك الاختلاف بحسب تطويل القراءة وتخفيفها. إذا سَلمنا أن رواية محمد بن يوسف أصح وأن الصحيح: أمر عمر أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً. فالجواب: أن عمر ﵁ لم ينه عن الزيادة. بل صح عنه أنه كان يصلي من الليل ما شاء الله أن يصلي، حتى إذا كان آخر الليل أيقظ أهله. قال أبو الوليد الباجي: قَوْلُهُ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ. يَقْتَضِي أَنَّ التَّنَفُّلَ غَيْرُ مَحْدُودٍ، وَأَنَّ ذَلِكَ بِحَسَبِ قُوَّةِ كُلِّ إنْسَانٍ وَنَشَاطِهِ وَمَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهِ. اه. قلت: وكذا صح هذا المعنى عن الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين، ولا أعلم أحدًا خالف في ذلك. وقد صح عن ابن عمر قوله: أُصَلِّي كَمَا رَأَيْتُ أَصْحَابِي يُصَلُّونَ، لَا أَنْهَى أَحَدًا يُصَلِّي بِلَيْلٍ وَلَا نَهَارٍ مَا شَاءَ، غَيْرَ أَنْ لَا تَحَرَّوْا طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا.