للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واعترض على هذا القول بما قاله ابن عبد البر : وَأَمَّا الْقَوْلُ: إِنَّ الْجُمُعَةَ تَسْقُطُ بِالْعِيدِ وَلَا تُصَلَّى ظُهْرًا وَلَا جُمُعَةً، فَقَوْلٌ بَيِّنُ الْفَسَادِ وَظَاهِرُ الْخَطَأِ مَتْرُوكٌ مَهْجُورٌ، لَا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ ﷿ يَقُولُ ﴿إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ﴾ وَلم يَخُصَّ يَوْمَ عِيدٍ مِنْ غَيْرِهِ (١).

قال ابن رشد: وَأَمَّا إِسْقَاطُ فَرْضِ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ الَّتِي هِيَ بَدَلَهُ لمكَانِ صَلَاةِ الْعِيدِ، فَخَارِجٌ عَنِ الْأُصُولِ جِدًّا، إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ في ذَلِكَ شَرْعٌ يَجِبُ المصِيرُ إِلَيْهِ (٢).

والراجح: ما ذهب إليه أبو حنيفة ومالك: أنه إذا اجتمع عيد وجمعة، فالمكلف مخاطب بهما جميعًا؛ لأن العيد سُنة والجمعة فرض ولا ينوب أحدهما عن الآخر.

ودل على ذلك: عموم قوله تعالى: ﴿إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ ولم يخص الله ورسوله من ذلك يوم عيد من غيره.

قال ابن عبد البر (٣): وَإِذَا احْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآثَارُ مِنَ التَّأْوِيلِ مَا ذَكَرْنَا، لم يَجُزْ لمسْلم أَنْ يَذْهَبَ إِلَى سُقُوطِ فَرْضِ الْجُمُعَةِ عَمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ ﷿ يَقُولُ: ﴿يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ وَلم يَخُصَّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ يَوْمَ عِيدٍ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ تَجِبُ حُجَّتُهُ، فَكَيْفَ بِمَنْ ذَهَبَ إِلَى سُقُوطِ الْجُمُعَةِ وَالظُّهْرِ المجْتَمَعِ عَلَيْهِمَا في الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ بِأَحَادِيثَ لَيْسَ مِنْهَا حَدِيثٌ إِلَّا وَفِيهِ


(١) «التمهيد» (١٠/ ٢٧٠ - ٢٧١).
(٢) «بداية المجتهد» (١/ ٢١٩).
(٣) «التمهيد» (١٠/ ٢٧٧).

<<  <   >  >>