ببلدته إسنا حتى قدم القاهرة سنة ٧٢١ هـ (١٣٢١ م) إحدى وعشرين وسبعمائة هجرية بعد وفاة والده بثلاث سنين؛ للأخذ عن علمائها المشهورين، فبعد أن استوى عود جمال الدين، وهو شاب يافع، ورسخت قدمه فى العلوم العربية والشرعية، هجر بلده إسنا واستقر فى القاهرة سنة ٧٢١ هـ، وفيها تكاملت ثقافته العامة، ونبغ فى علوم الفقه والعربية، حتى بَزَّ معاصريه فى الفقه الشافعى، بحيث صار شيخ الشافعية، ومفتيهم ومصنفهم ومدرسهم فى الديار المصرية.
فقد نزل بدار الحديث الكاملية، وكرس حياته جلَّها فى خدمة العلم والدين حتى آخر لحظة من حياته، ونال درجة الأستاذية التى أهَّلته لتدريس التفسير بالجامع الطولونى، والفقه بالمدرسة الملكية، والمدرسة الأقبغاوية، والمدرسة الفارسية والمدرسة الناصرية، والمدرسة الصالحية.
[(٥) اشتغاله بالحياة السياسية والإدارية]
ولم تقتصر حياة الأسنوى على الاشتغال بالعلم فقط بل شارك أيضًا فى الحياة السياسية ونظم إدارتها، وتوفر له من ذلك نصيب كبير -مع احترازه وتمنعه؛ لانشغاله بالتأليف والتصنيف- ولكنها كانت تفرض عليه فى بعض الأحيان، لكونه كريمًا فاضلًا عند الجميع، ولا يقدر على حمل عبء هذه المناصب غيره مع وجوده. . ومع ذلك فكان عالى الهمة، عزيز المقدار، لا يجرى وراء جاه ولا مال، ولا يتودد إلى الأمراء والحكام طمعًا فى منصب أو جاه، بل هم الذين كانوا يتوددون إليه ويطلبون علمه وفضله. ومن هذه المناصب التى تولاها:
رئاسة الحسبة مكرها، ووكالة بيت المال (وزير المالية)، ونظارة الكسوة، ولكنه عزل نفسه وقدم استقالته من عمل الحسبة، وذلك لكلام وقع بينه وبين الوزير ابن قزينة سنة ٧٦٢ هـ (١٣٦٠ م)(١)، وأبت نفسه العلية أن تذل أو تخضع فى طلب منصب دنيوى أو جاه. ثم بعد ذلك ترك الحياة السياسية كلية وتفرغ للعلم وخدمته، وذلك حينما عزل نفسه من وكالة بيت المال أيضًا دون تأثير من أحد.