للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[٦ - ثقافته]

لقد تعددت جوانب الثقافة عند الأسنوى، حتى شملت جميع فروع العلم والمعرفة، فهى لغوية، دينية، أصولية، فقهية، وبتعبير آخر هى ثقافة إسلامية شاملة، فلقد فتح الإمام الأسنوى عينيه على بيت يموج بالعلم والمعرفة، وأحاطه جو الأسرة الكبيرة بنور العلم والعرفان، يرى وفود العلماء وهى تنسل إلى مجلس أبيه وعمه، وخاله وأخيه، ينهلون من علمهم ويفيدون فوائده. فليس غريبًا أن يبدأ الأسنوى فى التحصيل مبكرًا، وأن يحفظ القرآن فى صغره، ويتتلمذ على أساتذة عصره وعظمائهم الأجلاء.

ولم يكتف الأسنوى بتلقيه العلم على يد هؤلاء الأعلام، وإنما اتجه إلى التحصيل بنفسه، وأقبل على العلم بهمة فتية ونفس مشوقة، حتى أصبح بلا نزاع أستاذ عصره، وتتلمذ على يديه أغلب علماء دهره.

وأول ما يستلفت النظر فى ثقافة الأسنوى أنها ثقافة قد تعددت جوانبها، ولقد حظى الفقه عنده باهتمام خاص، حيث كان الفقه فى ذلك الوقت قد نال اهتمام العلماء لحاجة الناس إليه، ولتصدرهم به مناصب الفُتيا والقضاء. وقد ضرب جمال الدين الأسنوى بسهم وافر فى هذا المجال، كما اهتم بأصول الفقه، وصنف فى ذلك كتابًا جليلًا طالما عكف عليه الدارسون والباحثون، "نهاية السول" جمعه من مائة مصنف ومؤلف.

كما اهتم بالتاريخ، وألف فى ذلك كتابه الطبقات، ولم يكن تأليفه لهذا الكتاب لفكرة عابرة أرقته فسجلها فى كتاب، وإنما كان يعد لذلك منذ صباه، ويكلف بأخبار العلماء بجمعها، وكلما وقع نظره على شاردة قيدها، أو حادثة أمعن النظر فيها، حتى إذا استقام عوده ونضجت ثقافته وكثرت تجاربه، وملك زمام القول، أفرغ هذا كله فى كتابه الطبقات، مارًا بك على رياض الفكر، وقد كان تمام جمعه له بعد عشرين سنة من بدء جمعه (١).


(١) انظر: مقدمة كتابه الطبقات فى ص ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>