على أننى أرى أنه لا دلالة أيضًا فى الأحاديث المطلقة، بل والمقيدة منها، فى استحباب ترك إزالة الرائحة الكريهة التى نشأت عن الصيام أيضًا.
وإنما كل ما تدل عليه هذه الأحاديث أن الصيام فضله عظيم على ما ينال فيه المرء من مشقة حتى مشقة الخلوف على النفس، والتى قد تنشأ عادة من أثر الصيام، ويكون ذلك من داخل الجوف نفسه. وقد لا ينفع المرء معها حتى السواك الذى يمنع الأثر الخارجى فقط، والذى قد لا يفيد فى التغلب على إزالة هذه الرائحة الكريهة التى فيها مشقة على النفس. فبين اللَّه -سبحانه وتعالى- أن مغالبة ذلك له فضل عظيم، وهو وإن كان أثره مكروهًا عندنا إلا أنه أطيب عند اللَّه من ريح المسك، وهذا فضل منه ورحمة على عباده.
ثم إن استدلال الشافعى بالحديث على كراهيته الاستياك بعد الزوال للصائم لأنه يزيل الخلوف الذى هو أطيب عند اللَّه من ريح المسك - لا ينهض ولا يقوى على تخصيص الأحاديث القاضية باستحباب السواك على العموم، ولا على معارضة تلك الخصوصات.
قال ابن دقيق العيد: "السر فيه -أى فى السواك عند الصلاة- أننا مأمورون به فى كل حال من أحوال التقرب إلى اللَّه -تعالى- بأن نكون فى حالة كمال ونظافة؛ إظهارًا لشرف العبادة (١).