ومن ناحية أخرى قد يكون التحريم المراد فى حديث الجارية بالنظر إلى الذات، لأن فى بيعها إهانة لها وتحقيرًا للآدمية التى كرمها اللَّه فى قوله -تعالى-: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَم}(١). وحث على تحريرها بمختلف الطرق. وفى بيعها وتداولها بقصد الغناء احتراف للتجارة فيها وفتح لهذا الباب على مصراعيه. وقد يجرهم ذلك إلى الإبتعاد عما هو أفضل لهم وأكرم، وهو إطلاق سراحها وتحريرها من رق العبودية. ويمكن أن يقوى هذا الإتجاه ما جاء فى حديث أبى أمامة من بعض طرقه بلفظ التجارة.
أما الأحاديث التى وردت من روايات أخرى مختلفة بلفظ القينة والنهى عن بيعها وشرائها، فإنها ضعيفة، وعلى فرض صحتها فإنها قد لا تخرج عما ذكرناه فى الحديث السابق؛ لأن القينة هى الجارية المغنية.
وبذلك يترجح ما ذهبنا إليه بلا تعارض، والجمع بين الأدلة إن أمكن أولى من إعمال البعض وإهمال البعض الآخر. واللَّه هو الموفق والهادى إلى سواء السبيل.