للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تهذبهم الثقافة، شداد غلاظ، لا يفهمون معنى العاطفة ولا تلين قلوبهم للرحمة، أحب مظهر إليهم مظهر الدم ينهار، أو الآثار العظيمة تصبح شعلة من نار. كان بأسهم بينهم شديدًا ثم جمعهم جنكيزخان، واتجه إلى الدولة العباسية سنة ٦٥٤ هـ (١٢٥٦ م) واستولى على الرّىّ، ثم قصد بغداد سنة ٦٥٥ هـ (١٢٥٧ م)، وكان الخلاف فيها فظيعًا بين السنة والشيعة، فظن الوزير الشيعى العلقمى أنه بتمكينه التتر ينتصر الشيعة على السنة، ولكن كان فى التمكين لهم هلاك الجميع، فلقد قتل فيها كما يقول المؤرخون مليون وثمانمائة ألف، وضُرب عمرانها، ورُمى بكتبها فى نهر دجلة، وكانت هذه الكتب نتيجة ثقافة قرون (١).

وما كاد العالم الإسلامى يفيق من نكبة التتار ويسترد بعض قوته حتى جاء تيمورلنك فأكمل ما عصف به أجداده جنكيزخان وهولاكو، واجتاز بقية آسيا الصغرى، وأكثر من القتل والتخريب والفساد، وأفسد الشام، وكانت قد استعصت على من قبله؛ فخربها فيما خرب وقتل علماءها فيمن قتل. ومات هذا الوغد بعد أن أكمل خنق البلاد سنة ٨٠٧ هـ (١٤٠٤ م) (٢).

ويصف ابن السبكى (٣) هذه الواقعة، فيقول: "ولقد رُفع الصليب وسمع الناقوس آونة من بيوت أذن اللَّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وانتهكت المحارم وضربت الجوامع، وعطلت المساجد، وخربت تلك الديار، ومحيت تلك الرسوم والآثار" (٤).

ثم انقضت تلك الديار وأهلها ... فكأنها وكأنهم أحلام (٥)

"ولقد ملكوا أكثر عامر الأرض فجعلوه خرابًا، تركوا المساجد والجوامع والمدارس بلاقع، وحرقوا الكتب والمصاحف، وما دخلوا مدينة إلا وسالت أوديتها بدماء أهلها، وكانوا إذا عجزوا عن حمل الأمتعة أطلقوا فيها النيران حتى يذهب أثرها" (٦).


(١) انظر: ظهر الإسلام ٤/ ١٩٣.
(٢) المرجع السابق: ١٩٤.
(٣) هو: تاج الدين عبد الوهاب بن على السبكى الشافعى، المتوفى سنة ٧٧١ هـ.
(٤) انظر: الطبقات الكبرى ١/ ٣٢٨.
(٥) البيت لأبى تمام، والرواية عنه: تلك السنون. وانظر: ديوانه ٣/ ١٥٢.
(٦) الطبقات الكبرى للسبكى ١/ ٣٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>