فهم يَقُولُونَ: إذا كَانَ الجارّ والمجرور أو الظرف متعلقه عامًّا وجب حذفه، وهنا (مستقرًّا) عامّ، فإذا قلت:(زيد فِي البيت) أي مُسْتَقِرّ فِي البيت، يعني كائنًا فيه، وابن مالك رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُول (١):
لكِن قَالُوا: إن الاستقرار هنا لَيْسَ الاستقرارَ العامَّ حَتَّى يَجِب حَذْفُه، بل هُوَ استقرارٌ خَاصّ غيرَ مُطلقِ الوجود، فلمَّا كَانَ استقرارًا خاصًّا غير مطلَقِ الوجود صار كالمَعْنى الخاصّ، ولذلك ذُكِرَ، قال:{فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا}، لاحِظْ لو قَالَ:"فلمَّا رآه عنده" لا تدلُّ عَلَى المَعْنى فِي كلمة (مُسْتَقِرًّا)، صحيح أن معنى: لما رآه عنده، أي: لما رآه كائنًا عنده، لكِن لا تدلّ عَلَى أن هَذِهِ الكَيْنُونة كانتْ باستقرارٍ وثباتٍ، وأيضًا ربما يُفْهَم من قوله:{مُسْتَقِرًّا} ما أشار إليه العِفريت فِي الأوَّل وَهُوَ الْقُوَّة والأمانة؛ لِأَنَّهُ بالْقُوَّة والأمانة يأتي العَرْش عَلَى ما هُوَ عليه لا يَتكَسَّر، فالْإِنْسَان الضعيف مثلًا ربما عند حَمْلِه وَهُوَ ضعيف يسقط من يده، أو مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فيتكسّر، أو إذا لم يكن أمينًا لا يُهِمّه أن يضربه جبل أو شجر أو مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، أو هُوَ نفسه يتسلّط عليه.
فالحاصل: أن هَذَا الاستقرارَ له معنًى خَاصّ غير الاستقرار العامّ، فلذلك ذُكر.
قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ} أي: ساكنًا عندَهُ {قَالَ هَذَا} أي: الإتيان لي به {مِنْ فَضْلِ رَبِّي}]، {فَلَمَّا رَآهُ} أي: سُلَيمَان رأى العَرْش مستقرًّا، والاستقرارُ هنا أمر زائدٌ عَلَى مجرَّد الكينونة، ولو كَانَ المُراد بالاستقرارِ هنا مجرَّد
(١) ألفية ابن مالك (ص: ١٧، الابتداء)، ط. دار التعاون.