الكينونةِ لكان ذِكْرُهُ غيرَ بليغٍ، ولهَذَا فسَّر المُفَسِّر الاستقرارَ هنا بالسكونِ، يعني كأنَّ له أزمانًا وَهُوَ فِي هَذَا المكانِ، كما إذا أتيتَ بشيءٍ ووضعتَه بمكانٍ وتريد أن تركّبه وتُعدِّله وتُزيِّنه، لا سيما العَرْش الَّذِي له قوائمُ فِي العادةِ، فهَذَا العَرْش ثابتٌ كَأن له سنينَ، وهَذَا من كمال القدرة أيضًا.
قوله:{قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي}: {مِنْ} هَذهِ لبَيَان الجنسِ أو للتبعيضِ؛ لأنا إذا قَصَدْنا بالفضلِ الجنسَ فهي لبَيَان الجنسِ، وإذا قصدنا بالفضلِ هَذَا الشَّيْءَ المعيَّن فهي للتبعيضِ.
عَلَى كُلّ حالٍ: هِيَ صالحةٌ لهَذَا ولهَذَا.
وقوله:{فَضْلِ رَبِّي} الفضل هُوَ العطاءُ الزائدُ، وفضلُ اللهِ تَبارَكَ وَتَعَالَى عَلَى العبدِ لا يُعَدّ ولا يُحصى، قَالَ تَعَالَى:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}[النحل: ١٨]، ومن فضل الله عَلَى عبدِهِ أن يُحْسِن إليه ثُمَّ يَعُدُّ إحسان العبدِ إحسانًا، قَالَ تَعَالَى:{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}[الرحمن: ٦٠]، نَقُول: ما جزاءُ المحسنينَ الَّذِينَ أحسنوا عملهم إِلَّا أن يحسنَ إليهم، وإحسانهم أو عملهم إحسانٌ منَ الله، ولكِن هَذَا من باب تمام الفضلِ منَ الله عَلَى عبابٍ أن يَعُدَّ إحسانَ عملِهِم -وَهُوَ منه- إحسانًا منهم، كأنهم هم المتفضِّلون به، قَالَ تَعَالَى:{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} اللهمَّ لك الحمد.
وقوله:{رَبِّي} الرُّبُوبِيَّة هنا خاصّة، ولهَذَا أضافها إِلَى نفسِه فقال:{رَبِّي} وقد مرّ علينا أن الرُّبُوبِيَّة عامّة وخاصّة، وأن العُبُودِيَّة كذلك عامّة وخاصّة، وأنّ الخاصّة فيها ما هُوَ أخصُّ، قَالَ سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٧) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الشعراء: ٤٧، ٤٨]، فربوبيّة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى لموسى وهارون غير رُبُوبِيَّة الله