للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

"مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ" (١)، وَفي روايةٍ: "فَقَدْ أَخْطَأَ وَإِنْ أَصَابَ" (٢)، فالذي يُفَسِّر الْقُرْآن عَلَى حَسَبِ عَقيدتِهِ، هَذَا الحقيقة أَنَّهُ جانٍ عَلَى اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ومتقوِّل عَلَى اللهِ بلا علمٍ؛ لِأَنَّ الواجبَ أن تفسّر الْقُرْآن بما دلَّ عليه، ثُمَّ تجعل عقيدتك تابعةً له.

ولهَذَا يَقُول العُلَماء: استدلَّ ثُمَّ اعتقِدْ، ولا تَعْتَقِدْ ثُمَّ تَسْتَدِلّ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَان الَّذِي يَعتقِد أوَّلًا ثُمَّ يستدلّ الغالب عليه أَنَّهُ يُخضِع الأدلَّة إِلَى مُعْتَقَدِهِ، كما هُوَ معروفٌ الْآنَ تَجِدون هَذَا فيما يَتَكَلَّم النَّاس فِيهِ فِي العقائد، وتجدونه أيضًا حَتَّى فيما يتكلمون فِيهِ فِي الأحكام، فإن مَن يَنتمي إِلَى مَذْهَب إذا جاءت النصوصُ الدالَّة عَلَى خلاف مَذْهَبِه تجده يَسْلُك فيها أحدَ مسلكينِ: إمَّا إبطالها إن أمكنه، فيقول: هَذَا ضعيف ومردود وَلَيْسَ بمقبولٍ، وإن لم يمكنْه الإبطال سعَى بالتحريفِ لأجلِ أن تطابِقَ مذهبَه، وهَذه عِلَّةٌ قَلَّ مَن يَسْلَم مِنْهَا إِلَّا مَن شاء الله؛ وَهُوَ أن يجعل عقيدته وحُكْمه تابعًا للدليلِ، وهَذَا هُوَ الواجبُ عَلَى كُلّ مسلمٍ أن يُجْعَلَ تابعًا للدليل؛ لأجلِ أن يَكُونَ تابعًا، والنصوص تكون متبوعةً، أَمَّا أن يعتقد أولًا - سواء كَانَ هَذَا الاعتقاد فيما يتعلق بالعقائد والأُمُور الخبريَّة، أو مما يَتعلَّق بالأحكام العَمَليَّة - ثُمَّ بَعْد ذلك يحاول أن يحرِّفَ النصوص إليها فهَذَا غير مسلَّم ولا يجوز للمرء.


(١) رواه النسائي في الكبرى، كتاب كتابة القرآن، باب من قال في القرآن بغير علم، حديث رقم (٨٠٨٥)؛ والترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه، حديث رقم (٢٩٥١)، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -.
(٢) رواه أبو داود، كتاب العلم، باب الكلام في كتاب الله بغير علم، حديث رقم (٣٦٥٢)؛ والترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه، حديث رقم (٢٩٥٢)، عن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>