للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: ماذا يُجاب عَمَّن قَالَ: إن الإِيمانَ أوَّلُ مَرَاتِبِه الحَيْرة والشكّ ثُمَّ الاستدلال، إِلَى آخره؟

نُجِيبُه بأن هَذَا لا دليلَ عليه؛ فإن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - دعا النَّاس وهم لَيْسَ عندهم شكٌّ ولا حَيرة، بل جُحُود وإنكار، ثُمَّ انتقلوا منَ الجحود والإنكار إِلَى الإقرار والاعترافِ.

ونَقُول أيضًا: هَذَا الكَلامُ الَّذِي لا دليلَ عليه، هُوَ باطلٌ أيضًا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَان إذا شكَّ فقد لا يَتَخَلَّص من هَذَا الشكِّ، والله تَعَالَى ما دعا عبادَهُ إِلَى الشكِّ والحَيرة؛ بل دعاهم إِلَى الإِيمانِ بعدَ الكفرِ مباشرةً.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إن أوَّل مراتبِ الإِيمانِ الحَيرة يَستدِلّون بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي} [الأنعام: ٧٧]، ففي أوَّل أمرِه قَالَ: هَذَا ربي، وهَذَا ربي؟

الجواب: قوله: {هَذَا رَبِّي} قالَهُ لإقامةِ الحُجَّة، وتَقَدَّم هَذَا كثيرًا، وذكرنا هَذَا المثالَ؛ وهو إلزامُ الخَصْمِ بما يَعْتَرِف به، فالمَعْنى أنتم تَعْبُدُونَ هذه الكواكبَ والشَّمْسَ والقمرَ، فهَذَا ربِّي، فمثلًا: إذا جَلَسْتَ مَعَ أُناسٍ جِلْسَةَ المُقْنِعِ، وكلٌّ منهم يَقُول: هَذَا ربِّي، وهنا {فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ}، ثُمَّ تَنَقَّلَ بهم. ولهَذَا قَالَ: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} [الأنعام: ٨٣]، ولم يقل: وتلك أدِلَّتنا أَقْرَرْنا بها إبراهيمَ، فإبراهيمُ - صلى الله عليه وسلم - ما كَانَ فِي قلبِه أدنَى شكٍّ فِي هَذَا الأَمْرِ وأنها آلهةٌ باطلةٌ، لكِن لأجلِ إقامةِ الحُجَّة عَلَى هَؤُلَاءِ.

وأمَّا قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عن إبراهيمَ: {قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: ٢٦٠]،

<<  <   >  >>