فالْإِنْسَان المتوكِّل هُوَ الَّذِي يأخذُ بالأَسْبَاب النافعةِ، أَمَّا الأَسْبَاب الَّتِي لا تنفعُ فإن الأخذَ بها نوعٌ من الشِّرْك، فكُلّ مَن أخذ بسببٍ لَيْسَ بنافعٍ - يعني ما دلَّ عَلَى نفعه الحِسّ ولا الشَّرع - فَإِنَّهُ قد فَعَلَ نوعًا منَ الشِّركِ. ولهَذَا التمائمُ والتعوُّذات والتِّوَلَة ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ من الأُمُورِ الَّتِي يَزْعُمُون أَنَّهَا تفعل وهي لا تفعل، جَعَلَها النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - منَ الشِّرْكِ؛ لأننا نَقُولُ فِي تقريرِ هَذَا: كُلّ مَنِ اتَّخذ سببًا غيرَ نافعٍ، يعني لا يَدُلّ عَلَى نفعِه شرعٌ ولا حِسٌّ، وإن شئتَ قُلْ: شرع ولا قَدَر، فَإِنَّهُ مُشْرِك.
ووجه كونه مشركًا أنه أثبتَ سببًا لم يجعلْه اللهُ سببًا، فكَانَ مُشَارِكًا لله تَعَالَى هنا فِي تقديرِهِ؛ لِأَنَّ مقدِّر الأَسْبَاب وجاعلَ الأَسْبَابِ سببًا هُوَ اللهُ، فهَذَا إِلَى اللهِ، فأنت إذا قلتَ: هَذا سببٌ، وَهُوَ لَيْسَ بسببٍ، فقد أشركتَ مَعَ الله، وجعلتَ نفسَكَ شَريكًا مَعَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: مَنِ اتخذ سببًا مُحَرَّمًا مثل الرِّبا، هل يُعَدُّ مِنَ الشِّركِ؟
إِذَنِ: التوكُّل عَلَى الله هُوَ الاعتماد عَلَى الله مَعَ الثقةِ به، لَيْسَ مجرّد الاعتماد، بل مَعَ الثقة، ولا ثِقة إِلَّا برجاءٍ. ثُمَّ إن التوكّل قُلْنَا: لا ينافي فعلَ الأَسْبَاب الَّتِي جعلها الله تَعَالَى سببًا شرعًا أو قَدَرًا.