للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: هل يَصِحُّ أن تقول لفلانٍ منَ النَّاس: أَعتمِد عليك فِي إنجاز هَذَا الأَمْر؟

فالجواب: ليس فيها شيءٌ، بشرطِ أن يَكُونَ حقيقةً ممَّا يُمْكِنُ الاعتمادُ عليه فيه؛ لِأَنَّ الاعتماد على الأَسْبَاب الحقيقيَّة جائزٌ، لكِن مَعَ اعتقادِ أَنَّهُ سببٌ لا أَنَّهُ مستقلّ.

وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: ما حُكْمُ قول العوامّ عِندنا: (وَكِّلِ اللهَ)؟

فالجواب: الظَّاهرُ أن معنى (وَكّلِ الله) عندهم: اعتَمِدْ عَلَى اللهِ، وَلَيْسَ المَعْنى: اجْعَلِ اللهَ وَكِيلًا لكَ، أو معناه أن الله تَعَالَى يَكُون شاهدًا عليك، فليس المقصود أنِّي أنا فِي قِيامي بأمركَ مثل قيام الله تَعَالَى بأمرِكَ، فهم قصدُهم: اعتمد عليَّ الله ووكِّلْه عليَّ شهيدًا؛ لأَنَّنا لو نَظَرْنا إِلَى ظاهرِ اللفظِ فالمَعْنى أني أنا لكَ بمنزلةِ اللهِ، وهم لا يريدون هذا، أو المَعْنى (وَكِّل الله) أيِ: اعتمِدْ عَلَى الله، وكذلك قولهم: (اتكل عليَّ) لَيْسَ فِيهِ شَيْء، وقولهم: (الله وكلك) لَيْسَ فِيهِ شيءٌ، أي جَعَلَكَ وكيلًا لي بالصيغةِ الَّتِي نطقت بها؛ لِأَنَّهُ الله وكَّله بلَا شَكّ؛ لِأَنَّهُ إذا وقع الأَمْر فَهُوَ بقضاءِ اللهِ، وكذلك قولهم: (اتَّكِلْ عَلَى اللهِ) فهَذهِ صحيحةٌ وطيِّبَةٌ.

قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [قوله: {إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} الدِّين البَيِّن]، فسَّر المُفَسِّر الْحَقَّ بالدينِ، والمبينَ بالبَيِّن، وَلَيْسَ هَذَا بجيدٍ؛ لِأَنَّ الدينَ منه حقٌّ ومنه باطلٌ، ولهَذَا قَالَ تَعَالَى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [الفتح: ٢٨]، وهَذَا هُوَ الدين الباطِلُ، فالدينُ الْحَقّ يَظْهَر عَلَى الدّين كلِّه، أي: عَلَى الدينِ الباطلِ. فتفسيرُ المُفَسِّر الحَقَّ بالدينِ قُصُورٌ بلَا شَكّ، بلِ الْحَقَّ هنا الثابتُ بِصِدْقِ أخباره وعدل أحكامِهِ.

وأمَّا قوله: {الْمُبِينِ} ففسَّره بالبيِّن، وَعَلَى هَذَا جعل (أبان) من اللازِمِ؛ لأنَّ بان يَبِينُ فَهُوَ بَيِّن، وأبان يُبِينُ فَهُوَ مُبِين. وهل تَصِحّ أن تكونَ بمعنى (مُظْهِر)؟

<<  <   >  >>