وَلَيْسَ كذلكَ، فإن بينَه وبين موسى بُرْهَة منَ الزمنِ، وإنما صاحب مَدْيَن رجلٌ من أهلِ مَدْيَن، هَذَا هُوَ الصَّحيحُ بِلَا شَكٍّ.
قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ:{إِنِّي آنَسْتُ} أبصرتُ من بعيدٍ {نَارًا}].
قوله:{إِنِّي آنَسْتُ} مَقُولُ القَوْلِ، ولهذا كُسِرَتْ (إنَّ)، وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{آنَسْتُ} أَبْصَرْتُ من بعيدٍ]، آنسَ بمعنى أبصرَ، وكونها من بعيدٍ لا يَدُلّ عليه اللفظُ فِي الحقيقةِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أن يقالَ: إنَّ الإيناسَ لا يَدُلّ عَلَى القُرْب بسببِ أنَّهُ يَدُلّ عَلَى الخفَاء، والخفَاءُ فِي النَّار لا يَكُونُ إِلَّا إذا كانتْ بعيدةً.
وقوله:{سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ} السين للتنفيسِ، وقد ذَكَرْنَا فيما سبقَ أَنَّهَا إذا دخلتْ عَلَى الجملةِ -وهي طبعًا لا تدخُلُ إِلَّا عَلَى المضارع- تفيد أمرينِ، هما: القُرب والتحقُّق.
وقوله:{سَآتِيكُمْ مِنْهَا}: ما الفرقُ بينَ (آتيكُمْ) و (أُوتيكُم)؟ لآتيكم، أي: أَجِيئُكم، وأُوتيكُم بمعنى: أُعْطِيكم، نُصرِّفها فِي غير الآية: أتيتُ مضارعها: آتي، وآتيتُ مضارعها أوتي.
في هذه الآية قَالَ:{بِخَبَرٍ} وَفِي آية أُخرى قَالَ: {لَعَلِّي آتِيكُمْ}[طه: ١٠]، فهل بينهما فرقٌ، أو هما بمعنًى واحدٍ، وإن قُلْنَا بالفرق فما الجمعُ؟
الجواب: بينهما فرق، والجمعُ: إذا قُلْنَا: إن (لعلَّ) للرجاءِ، فَهُوَ رجا أولًا ثُمَّ قوي وجَزَمَ به، وقال:{بِخَبَرٍ}، هَكَذَا قَالَ بعضهم، لكِن يُمْكِن أنْ يَكُونا بمعنًى واحدٍ بدون اختلافٍ؛ لِأَنَّ (لعلَّ) تأتي للتوقُّع، وقد ذَكَرْنا فيما سَبَقَ فِي النحوِ أنَّ (لعلَّ) تكون للترجِّي والإشفاق والتعليل والتوقُّع، وإذا كانت للتوقّع صار معناها التَّوْكيد.