للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتقوّى صلاح الدّين وعظم أمره، وذهب من كان يخشاه ويخافه، وأخرج أكثر إقطاعات الأجناد بمصر، وزاد الأمير شمس الدّولة على إقطاعه ناحية بوش (١) ودهشور (٢) والمنوفيّة وغير ذلك. وانحلّ أمر العاضد.

فيها قبض صلاح الدّين على جميع بلاد العاضد ومنع عنه سائر موادّه، بحيث لم يبق له شيئا؛ وقبض على القصور وسلّمها إلى الطّواشى بهاء الدّين قراقوش الأسدى (٣)، وهو يومئذ زمام القصور من بعد قتل مؤتمن الخلافة، وصار له فى القصر موضع، فلا يدخل شيء من الأشياء إلى القصر ولا يخرج منه إلا بمرأى منه ومسمع. وضيّق على أهل القصر حتى قبض فى هذه الأيّام على جميع ما فيها، وصار العاضد معتقلا تحت أيديهم.

وفيها أمر صلاح الدّين بتغيير شعار الفاطميّين، وأبطل ذكر العاضد من الخطبة.

وكان الخطيب يدعو للإمام أبى محمّد، فتخاله العامّة والرّوافض العاضد وهو يريد أبا محمد الحسن المستضيء بأمر الله أمير المؤمنين الخليفة (٤). ثم أعلن بالعزم على إقامة الخطبة العبّاسية.

وفيها مات الشيخ الموفّق يوسف بن محمد أبو الحجاج، ابن الخلاّل، كاتب الدّست (٥).


(١) بالصعيد غربى النيل بعيدة عنه وتتبع محافظة بنى سويف، وتقع فى الجهة البحرية منها على بعد ساعة ونصف ساعة. معجم البلدان: ٣٠٤:٢؛ الخطط التوفيقية: ٥:١٠ - ٦.
(٢) قرية قديمة تابعة لقسم الجيزة على الشاطئ الغربى، بينها وبين الجبل الغربى أربعمائة قصبة بتقدير على مبارك. معجم البلدان: ١١٤:٤؛ الخطط التوفيقية: ٦٧:١١. وفى كتاب الروضتين: وازداد على إقطاعه بوش وأعمال الجيزة وسمنود وغيرها. كتاب الروضتين: ٤٨٨:١.
(٣) أبو سعيد قراقوش بن عبد الله الأسدى، نسب إلى أسد الدين شيركوه، لأنه كان من مماليكه. خدم صلاح الدين وتولى زمام القصر الفاطمى بعد مقتل مؤتمن الخلافة جوهر، أشرف على بناء السور بالقلعة وقناطر الجيزة، ولما فتحت عكا تولاها وسورها، ثم أسره الفرنج فافتك نفسه بعشرة آلاف دينار. توفى سنة سبع وتسعين وخمسمائة، ودفن بسفح المقطم. وقراقوش لفظ تركى يعنى العقاب الطائر. كتاب الروضتين: ٤٨٨:١: حاشية: ٣.
(٤) الخليفة الثالث والثلاثون من أسرة العباسيين حكم بين سنة ٥٦٦، فى أواخرها، ٥٧٥ (١١٧١ - ١١٨٠).
(٥) أى كاتب الإنشاء. آخر رؤساء ديوان الإنشاء فى العصر الفاطمى قبل وزارة شيركوه، تولى الديوان بعده القاضى الفاضل، وفى عصره انتقل النفوذ إلى شيركوه ثم صلاح الدين فأصبح اليد اليمنى لهما فى إدارة شئون دولتيهما. ومن شعر ابن الخلال:
يا أخا الغرة: حسب الدهر من … عظة المغرور ما أصبح يبدى
تؤثر الدنيا. فهل نلت بها … لحظة تخلص من هم وكد!