المسلمين، وبعد فيها قليلا عن تاريخ الخلفاء والملوك والسلاطين والأمراء، وعنى فيها حينا بالموضوعات العلمية البحتة، وحينا آخر بالشعب ومشكلاته الاجتماعية والاقتصادية؛ ونلاحظ كذلك أن المقريزى فى هذا الصنف من الكتب لم يكن مؤرخا راوية وحسب، بل هو مؤرخ مبدع أيضا، جرؤ فناقش - أحيانا - الأحداث والموضوعات، وأدلى بآرائه الخاصة، وعلّل الأسباب، واقترح العلاج (١).
ومعلوماته فى هذه الكتيبات وثيقة أكيدة تدل على قراءة واسعة ومعرفة متثبتة، وفكر واضح منظم، ومنهج علمى سليم، وساعده على ذلك أمور كثيرة، منها:
١ - أنه كان يملك مكتبة كبيرة ضخمة تضم العديد من الكتب فى مختلف أنواع العلم والمعرفة المتداولة فى عصره، والدليل واضح فى الكثرة الكثيرة من المراجع التى أشار فى مؤلفاته إلى أنه رجع إليها وأخذ عنها.
٢ - أنه ولى وظائف كثيرة مختلفة مكنته من التعرف على دولاب الحكومة وكيف يدار، وعلى مختلف النظم الإدارية والمالية، وعلى أحوال الشعب الاجتماعية والاقتصادية، فقد بدأ حياته الوظيفية موقّعا - أى كاتبا - بديوان الانشاء بالقاهرة، ثم كان مدرسا وقاضيا وناظرا للأوقاف، ثم ولى الحسبة غير مرة، ولم يكن للمحتسب - فيما نعلم - من عمل غير الإشراف على شئون الشعب الاجتماعية والاقتصادية.
٣ - اشتغاله بعلمى الحديث والتاريخ، وهما علمان يعتمدان أصلا على الجرح والتعديل، والنقد والتحليل، والتثبت من صحة كل قول أو رواية أو حقيقة علمية.
(١) انظر مقدماتنا لكتب المقريزى الصغرى التى نشرناها من قبل، وهى (اغاثة الأمة بكشف الغمة) و (نحل عبر النحل) و (الذهب المسبوك بذكر من حج من الخلفاء والملوك).