للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأدركه الأمير زيرى فطعنه وألقاه، وكثر عليه القتال حتى خلّصه أصحابه، وخلصوا به، وتبعهم المنصور فقتل منهم ما يزيد على عشرة آلاف.

وسار المنصور فى أثره أول رمضان، فاقتتلوا أشد قتال، ولم يقدر أحد الفريقين على الهزيمة لضيق المكان وخشونته، ثم انهزم أبو يزيد، وطلع أصحابه على رءوس الجبال يرمون بالصخر، واشتد الأمر حتى تؤاخذوا بالأيدى، وكثر القتل حتى ظنوا أنه الفناء، وافترقوا على السواء.

والتجأ أبو يزيد إلى قلعة [كتامة وهى] (١) منيعة فاحتمى بها، وأقبلت هوّاره وأكثر من مع أبى يزيد يطلبون الأمان، فأمّنهم المنصور، وسار فحصر القلعة، وفرّق جنده حولها، فناشبه أبو يزيد القتال، وزحف إليها المنصور غير مرّة حتى ملك بعض أصحابه مكانا من القلعة، وألقوا فيها النيران، فانهزم أصحاب أبى يزيد، وقتلوا قتلا ذريعا، وامتنع أبو يزيد وأولاده فى قصر بالقلعة ومعه أعيان أصحابه، فاجتمع أصحاب المنصور، وأحرقوا شعارى الجبل حتى لا يهرب أبو يزيد فصار الليل كالنهار.

فلما كان آخر الليل خرج أصحاب أبى يزيد وهم يحملونه على أيديهم، وحملوا على الناس حملة منكرة، فأفرجوا له، ونجوا به، ونزل من القلعة خلق كثير، فأخذوا وأخبروا بخروج أبى يزيد، فأمر المنصور بطلبه، وقال:

«ما أظنه إلا قريبا منا».

فبينما هم كذلك إذ جاء الخبر أن ثلاثة من أصحاب أبى يزيد حملوه من المعركة لقبح عرجه، فذهب لينزل من الوعر فسقط فى مكان صعب، فأخذ وحمل إلى المنصور يوم الأحد لخمس بقين من المحرم، وبه جراحات، فلما رآه سجد شكرا لله. وقدم به والناس يكبرون حوله، فأقام عنده إلى سلخ المحرم من سنة ست وثلاثين وثلاثمائة؛ فمات من جراح كانت به، فأمر [المنصور] بادخاله فى قفص عمل له، وجعل معه قردين يلعبان عليه، وأمر بسلخ جلده، وحشاه تبنا، وكتب إلى سائر البلاد بالبشارة.


(١) زيد ما بين الحاصرتين بعد مراجعة (ابن الأثير: الكامل، ج ٨، ص ١٧٣).