فلما انقضى أمر الوقعة عاد منجوتكين، فنزل على حلب، وضايق أهلها بالحصار والقتال:
حتى أكلوا الميتة من الجوع، وخرج منها خلق كثير إلى منجوتكين، وأقام على حصارها بقية السنة.
وفى جمادى الأولى وصل غزاة البحر إلى القاهرة بمائة أسير، فزينت القاهرة ومصر أعظم زينة، وركب العزيز وابنه منصور، وشقّا الشوارع، ثم ركب فى عشارى (١)، ومعه العشاريات سائرة إلى المقس، ثم ركب من المقس إلى القصر فكان يوما عظيما لم ير بمصر مثله، وقال فيه الشعراء.
وفى جمادى الآخرة سار عيسى بن جعفر أمير مكة بالجوائز والخلع ومعه القاسم الثائر.
واشتدت المطالبة على ابن الفرات، وأحيل عليه بمال، فأعنته المحتالون عليه، ولحقه منهم مكروه، وألقوه عن فرسه فكسرت إصبعه، وامتدت أيديهم إليه، فالتجأ إلى دار القائد أبى عبد الله الحسين بن البازيار، فأصلح قضيته.
وجهزت هدية إلى ابن زيرى بالمغرب، وهى:
فيل.
ومائة فرس مسرجة ملجمة.
(١) العشارى - ويقال العشيرى - نوع من السفن العربية القديمة، وقد وصفه (عبد اللطيف البغدادى، الافادة والاعتبار، ص ٥٤) وصفا دقيقا، قال: «وأما سفنهم (أى المصريين) فكثيرة الاصناف والاشكال، وأغرب ما رأيت فيها مركب يسمونه «العشيرى» شكله شكل شبارة داخلة (وهى سفينة عراقية) الا أنه أوسع منها بكثير وأطول وأحسن هنداما وشكلا؛ قد سطح بألواح من خشب ثخينة محكمة، وأخرج منها أفاريز كالرواشن نحو ذراعين، وبنى فوق هذا السطح بيت من خشب، وعقد عليه قبة، وفتح له طاقات وروازن بأبواب الى البحر من سائر جهاته، ثم تعمل فى هذا البيت خزانة مفردة ومرحاض، ثم يزوق بأصناف الاصباغ، ويدهن بأحسن دهان، وهذا يتخذ للملوك والرؤساء بحيث يكون الرئيس جالسا فى وسادته وخواصه حوله، والغلمان والمماليك قيام بالمناطق والسيوف على تلك الرواشن، وأطعمتهم وحوائجهم فى قعر المركب، والملاحون تحت السطح أيضا وفى باقى المركب يقذفون به، ولا يعلمون شيئا من أحوال الركاب، ولا الركاب تشتغل خواطرهم بهم، بل كل فريق بمعزل عن الآخر، ومشغول بما هو بصدده، واذا أراد الرئيس الاختلاء بنفسه عن أصحابه دخل المخدع، واذا أراد قضاء حاجته دخل المرحاض … الخ»