للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنّما لى عليكم طاعة، وإن نصرتمونى نصرتم أنفسكم، وإن قاتلتم معى أخذتم حقكم بأيديكم فيقولون له: يا أمير المؤمنين نحن مبايعون لأمرك مطيعون لك، فمرنا بأمرك.

فلم يزل معهم يطوف قرى برقة ويأخذ البيعة، إلى أن عظم أمره وهو فيما بين الإسكندرية وبرقة. فبعث إليه الحاكم جيشا عليه ينال الطويل التركى فى نصف شعبان سنة خمس وتسعين، فواقعه أبو ركوة وقتله ومعظم عسكره، وظفر من الأموال والخيل والسّلاح والنّعم الجليلة بما قوى به، واشتدّ بأسه.

وكان فى ظهور أبى ركوة طلع كوكب الذؤابة، فكان يضيء كالقمر وله بريق ولمعان، ويقوى ويكثر نوره وأمر أبى ركوة يشتد ويعظم. فأقام هذا الكوكب شهورا، ثم اضمحلّ نوره وضعف لمعانه وأخذ أمر أبى ركوة ينقص ويضعف إلى أن أخذا أسيرا، فغاب الكوكب ولم ير بعد ذلك؛ فكان شأن هذا الكوكب فى دلالته على أبى ركوة من أعجب العجب.

وابتدأ الحاكم فى تجريد العساكر شيئا بعد شيء، ونزل أبو ركوة بعد ظفره على برقة فحاصرها، وصندل الحاكم أميرها يقاتله، حتى اشتد الحصار ومنع أهل برقة من الميرة، ففرّ صندل، ومعه شيوخ البلد، إلى الحاكم، وحثّه على بعث الجيوش، وأعلمه بقوة أبى ركوة واستفحال أمره. ودخل أبو ركوة إلى مدينة برقة واستخرج الأموال، وأقطع بنى قرّة أعمال مصر، مثل دمياط وتنّيس والمحلة وغيرها، وكتب خطه بذلك؛ وأقطع دور القواد والأكابر التى بالقاهرة ومصر؛ وجدّد البيعة لنفسه. فندب الحاكم لقتاله القائد أبا الفتوح فضل بن صالح (١) فى ربيع الأول سنة ستّ وتسعين، وأتبعه بالعساكر فاجتمعت


(١) هو الفضل بن عبد الله بن صالح من الأمراء الذين كانوا يسيرون فى ركاب العزيز بالله، وقد أصبح من القواد الكبار على زمن الحاكم، نظم فيه أبو القاسم عبد الغفار، شاعر الحاكم، أبياتا ضمن قصيدة فى مدح الحاكم، منها:
إنما الفضل غرة … فى وجوه المدائح
أريحى، رياحه … عبقات الروائح
كعبة الجود كفه … بين غاد ورائح
إنما تصلح الأمور … وبرأى ابن صالح
انظر: الفاطميون فى مصر: ١٥٨ - ١٥٩.