ديوان الترتيب، وجمع فيه من يخدم في ترتيب الأعمال صفقة صفقة، وأن يكون أميرهم بجار يقرر له وهذا الترتيب يقال له في غير هذه الدولة صاحب البريد فكان يكاتب متولى هذا الديوان بالأخبار بمطالعات تصل إليه مترجمةً بمقام الخليفة فيعرضها من يده ويجاوب عنها بخطه. فورد كتاب بعض أصحاب الترتيب بقضية، فأجابه بكلام، وأراد الاستشهاد بآية من كتاب الله تعالى، فحرفها وقالها على غير ما أنزلت؛ ووقع الجواب للموفق، فأخذ في كمه مصحفاً ودخل إلى الخليفة ومعه جواب ابن الأنصاري، وقال: يا مولانا، هذا كتاب الله تعالى قد حضر إلى مقامك، وهو المنزل على جدك رسول الله، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يشكو إليك جناية ابن الأنصاري عليه، فخذ بحقه لهذه الجنايات، والحمد لله إذ وقع هذا الكتاب إلى المملوك دون غيره، فإن المملوك لم يزل يتتبع هذه الأمور لئلا يقع عليها أعداء الدولة فيشيعوا ذلك في الدول المخالفة لها. فقال له الحافظ: أنا أعلم منك هذا وأعلم من المذكورين ما ذكرت؛ وقد كنت سألتك فيهما مرة، وهذه الثانية، فإن لهما علينا خدمة. فقال: العفو يا مولانا. وانصرف ولم ينل منهما غرضاً. فأمر الحافظ ابن الأنصاري الأكبر أن يمضى إلى الأجل الموفق ويخدمه في داره.
وكان يومئذ ديوان المكاتبات مقسوماً بين أبي المكارم ابن أسامة وبين الموفق، إلا أن ابن أسامة لا يلتفت لأمر الديوان لكثرة شغله بدنياه، فاستناب ابنه أبا المنصور عنه، وكان يحلق بأبيه في الاشتغال بأمر دنياه عن النيابة، فصار اعتماد الخليفة في الديوان بأجمعه على الأجل الموفق؛ وكان ينفذه ولا يشق ابن أسامة لما أسلفه من الخدم السابقة. ثم لما مات أبو المكارم أسامة، وكان في الظن أن ابنه أبا المنصور يستخدم مكانه، سبق ابن الأنصاري وسأل الحافظ فاستخدمه في النصف من ديوان المكاتبات فقط شريكا للموفق فيه؛ وانفرد الموفق بالإنشاء. ونعت ابن الأنصاري بالقاضي الأجل سناء الملك، وأمره الحافظ بخدمة الموفق وأن يقنع معه بمجرد الرتبة. فشق ذلك على الموفق وصبر على ضر. وقرر أبو المنصور بن أسامة في ديوان الترتيب مكان ابن الأنصاري.
وتجند ابن الأنصاري الأصغر وتأمر في يوم واحد، وخلع عليه بالطوق، ورتب في زم