للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليه وهو يطالبكم بذلك ويعاقبكم عليه. فأطلعوا الخليفة على أمره، فأمر بإحضاره. فقال:

يا مولانا، لمن تركت أعداءك - يعنى المأمون وأخاه - هذا والعهد قريب؛ أأمنت الغدر؟ فما أجابه إلاّ وهو على ظهور الرّهاويج (١) من الخيل، فلم تمض ساعة إلاّ وهو بالقصر يمضى إلى مكان اعتقال المأمون وأخيه، فوجدهما على حالهما، فزادهما وثاقا وحراسة.

فلمّا كان فى ليلة العشرين منه قتل المأمون وصالح بن الضيف، وكان من نشو المأمون وقد سجن معه، وعلىّ بن إبراهيم بن نجيب الدّولة، المحضر من اليمن، وأخرجوا إلى سقاية ريدان (٢) فى الرّمل، قبالة البستان الكبير خارج باب الفتوح، فصلب أبدانهم بغير رءوس وفى صدر كلّ واحد رقعة فيها اسمه. فبلغ الأمر الناس فشكوا فيهم، وقالوا: هم غير المذكورين. فأمر بإخراج رءوسهم وأقيمت على أبدانهم.

فيها كانت ولاية ابن ميسّر القضاء فى ذى الحجّة على ما ذكر بعضهم؛ وقيل بل كانت كما تقدّم؛ ولقّب بثقة الدّولة القاضى الأمين سناء الملك، شرف الأحكام، قاضى القضاة، عمدة أمير المؤمنين، أبى عبد الله محمد بن القاضى أبى الفرج هبة الله بن ميسر. فلازم الانتصاب والجلوس، واعتمد التثبت فى الأحكام، وعدّل جماعة، فبلغت عدّة الشهود فى أيّامه مائة وعشرين شاهدا، وكانوا دون الثلاثين.

ثم وردت إليه المظالم؛ فاستوضح أحوال المعتقلين وطالع بهم الآمر، وكان فيهم عدّة قد يئسوا من الفرج، فاستأذن الخليفة وأفرج عنهم. وتكلّم مع الآمر فى أمر التّجّار وما نزل بهم من المصادرات، فأمر الخليفة بكتابة منشورهم فى معناهم قرئ على المنابر.

فيها كثرت وقائع أهل القسر على النّاس، وتقرّب كثير من الكتاب


(١) الرهاويج من الخيل المثيرة للغبار، لسرعتها. يقال أرهج أثار الغبار، وأرهجت السماء همت بالمطر، ونوء مرهج كثير المطر، والرهوجة بتشديد الراء المفتوحة ضرب من السير. القاموس المحيط.
(٢) سقاية ريدان: يعرفها ياقوت تعريفا مبهما بأنها بين القاهرة وبلبيس. وهى الآن بمنطقة العباسية الحالية وتعرف بالريدانية، وكانت فى الأصل بستانا لريدان الصقلى الأستاذ، من رجال العزيز بالله. ويظهر من النص أنها كانت تقع خارج باب الفتوح. المواعظ والاعتبار: ١٣٩:٢؛ معجم البلدان: ٩١:٥.